رئيس التحرير
عصام كامل

خطاب الكراهية والصوابية السياسية 

في حفل تتويجها ملكة لجمال الكون، قالت الجنوب إفريقية زوزيبيني تزنزي: « ترعرعت في عالم لا يعتبر امرأة مثلي، بلون بشرتي ونوع شعري جميلة، وأعتقد أن ذلك الزمن انتهى اليوم»، ويبدو أنها كانت حسنة النية أكثر مما ينبغي.

على مدار الأيام الماضية، كانت «تزنزي» عرضة للبلطجة الإلكترونية، والتنمر والعنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف ممن يظنون أنفسهم، أصحاب ثقافة موسوعية ــ وبعضهم كذلك ــ وسخروا من اختيارها، بأسوأ وأقسى التعبيرات والألفاظ..

هذا التيار المتطرف، الذي توحش بشدة في مصر، يبدو وكأنه يناضل من أجل عمل مصالحة تاريخية مع همجية القرون الوسطى، والمثير للسخرية أن أفراده، يعتبرون أنفسهم دائمًا ضحية لإرهاب «الإنسانية» إذا ما رفض غيرهم طريقتهم العداونية في التعبير عن الرأي، وطالبوهم بشيء من الكياسة والاحترام. 

قرأ ايضا: الأفريقي أمام النيابة: أبطال فيديو التنمر حاولوا تقطيع كتبي وحقيبة مدرستي

كل مسئولية تجاه الآخر، أصبحت «صوابية سياسية» مع أن الصوابية كمصطلح، مختلف عليه من نشاته وحتى اليوم، المهم في النهاية إلا تكبل ألسنتهم، ولاتمنعهم من إيذاء الآخر حتى لو نتج عن جرائمهم آلام نفسية، ربما تكون مدمرة للبعض، فالإساءة اللفظية تسبب مشاكل عاطفية ونفسية خطيرة للضحية، ولو كلف أحدهم نفسه، بالإطلاع على أي دراسة للطب النفسي، لربما تراجع، أو تعلم، متى يتحدث وكيف!

 

لايمل هؤلاء من المتاجرة في الاستياء، فلماذا يجهد أحدهم نفسه، ويصف غيره بأنه صاحب بشرة سمراء، طالما يمكنه أن يصفه بالعبد، أو الزنجي، مهما كانت هذه الأوصاف مزمومة اجتماعيًا، أو تحض على الكراهية، أو تجرح كرامة من يصفهم بها.

 

لماذا يتحدث بطريقة مهذبة، وفي نفس الوقت يفتح كل الملفات التي يريدها، ويخوض فيها بمنتهى الحرية، طالما يمكنه النباح طوال الوقت ضد ما يزعجه، لماذا يحترم ضعف الفقراء، والأقليات، أو حتى ينتقدهم بشدة في سبيل تحفيزهم على النهوض، طالما يمكنه أن يجعلهم هدفًا للسخرية والتحقير، لماذا يكبح جماح عدوانيته، طالما بإمكانه هتك عرض الجميع بالتخفى خلف شعارات الحرية والعقلانية. 

واقرأ ايضا: ملكة جمال الكون.. "السمراوات" يتربعن على عرش الجمال

حقيقة لا أفهم، ما الذي سيخسره أحدهم، إذا أسقط من قاموسه الشخصي 10 أو 12 كلمة من المفردات التي تجرح الناس، هل يتوقع أن يكون بينه هو نفسه، وبين أي إنسان تفاهم متبادل، أو لغة مشتركة، لو انتقده من يستاء من لغته، ومفردات كلماته، ووصفه هو شخصيا بالمتخلف، أو الوضيع، أو الجاهل، والتافه، بدلا من مخاطبته بمودة، سواء اتفق أو اختلف معه . 

 

أنا شخصيا ضد الصوابية بالمعنى المطروح في الغرب، وأرفض اتباع قاموس محدد من الكلمات قبل أن أتحدث، وضد إرهاب بعض المحافظين، الذين يدفعون المجتمع إلى غلق ملفات بعينها، أو وضع عناوين سابقة التجهيز، لما يمكن أن نتحدث فيه، أو لا نتحدث، بداعي مراعاة حساسية الناس، ولكن في الوقت نفسه، أصبحت أشعر أن ترويج الصوابية كإرهاب ضد المعترض على إهانة الناس، خلفه رغبة شيطانية من البعض، لتوطين ثقافة العنف، واعتمادها أسلوب وحيد في حل النزاعات بالمجتمع، فإما العنف أو لاشيء !  

 

الجريدة الرسمية