رئيس التحرير
عصام كامل

"العواصم الفيدرالية".. سيناريو فوضى يهدد دمشق وصنعاء وطرابلس.. روسيا تبارك التقسيم ..واليمن وليبيا "مستعدان للتجربة"

دمشق عاصمة سوريا..صورة
دمشق عاصمة سوريا..صورة أرشيفية

"حرب هنا.. مؤامرة هناك.. وشبح التقسيم يطل من الخلفية، منتظرًا اللحظة المناسبة لاعتلاء خشبة المسرح وتصدر المشهد كاملًا، ليس هذا فحسب بل وكتابة اسمه مصحوبًا بوصف البطولة المُطلقة"، يمكن استخدام الفقرة الماضية في تقديم تلخيص بسيط لما يحدث في غالبية الدول العربية، لا سيما تلك التي تعانى منذ سنوات، أو أشهر، من صراعات داخلية تهدد أمنها واستقرارها، وبالطبع تتصدر كل من سوريا واليمن وليبيا، قائمة «الاضطرابات».

 

المثير في الأمر هنا أن ما تشهده العواصم العربية الثلاث، لا يمكن التعامل معه كونه مشهدا عابرا في سيناريو طويل، فـ"طرابلس" تعانى من إرهاب "السراج"، و"صنعاء" لا تزال تسدد فاتورة إرهاب ميليشيات الحوثي الانقلابية، الموالية والمدعومة من إيران، أما دمشق فأصبحت عاصمة لـ"لا شيء".

فالجميع يضع قدمه في الملعب السورى، والجميع ينتظر القطعة الأكبر من "تورتة سوريا"، وهو أمر دفع البعض للحديث عن أن الدول الثلاث أصبحت تواجه شبح التقسيم إلى دول فيدرالية، على أسس عرقية ومذهبية، بما يعظم من المخاوف أن يؤدي تطبيق ذلك النوع من أنظمة الإدارة إلى مزيد من الاقتتال والتشاحن الداخلي، لافتقار أسس المواطنة التي يشكل العامل الرئيسي لقيام الدول الفيدرالية كما هو الحال في الدول المتقدمة.

دولة فيدرالية 

ومن المتعارف عليه أن الدولة الفيدرالية تقوم على أساس نظام إداري سياسي مجتمعي، ويتم الجمع فيه بين إقليمين أو أكثر لكن في إطار سقف إداري موحد، ويوفر تمثيل عادل لكافة الأقاليم في المؤسسات الاتحادية العليا، وتصنف الدولة الفيدرالية بأنها دولة مركبة وذلك التركيب هو الذي يميز الدولة الفيدرالية عن الدولة البسيطة.

ويمكن أن تتكون الدولة الفيدرالية أيضًا من دولتين أو أكثر، على أن يكون لكل منهما نظامه الخاص واستقلاله الذاتي، فيكون لكل منها دستور خاص وبرلمان خاص وقوانين خاصة وجيش خاص وموارد خاصة ولغة خاصة، وحكومة اتحادية ومحكمة اتحادية، ويتساوى جميع مواطني الكيانات الفيدرالية أمام القانون في كافة الحقوق والواجبات دون استثناء أو تمييز على أساس سياسي أو مذهبي أو مناطقي أو المكانة الاقتصادية أو الاجتماعية.

بينما يختفي شرط "المواطنة المتساوية" بين أبناء كل إقليم، على اعتبار أن مواطني كل إقليم يخضعون لسلطة مستقلة وحريات وحقوق تختلف عن الإقليم الآخر، ويتمثل الهدف الرئيسي من النظام الفيدرالي في توفير التنسيق بين المقاطعات والأقاليم، حتى تتمتع جميع مكونات الشعوب بخصوصيتها وهويتها في سياق التعايش السلمي، وتقسم بموجبه العديد من المهام والأنشطة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية حتى يتم تحقيق الوحدة القومية، بالإضافة إلى الحفاظ على حقوق الأقليات، ويقوم النظام الفيدرالي على أسس جمع الفئات المجتمعية ضمن إطار محدد، وليس الفصل أو التقسيم بين المواطنين، وتعتبر الدول الغربية ذلك النظام أفضل الوسائل للحفاظ على الوحدة الجغرافية للدول التي تسعى الأقاليم فيها إلى الاستقلال الإداري.

سوريا

وفي سوريا، لا يعد الجدل حول إقامة دولة فيدرالية فيها جديدًا، حيث إن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، طالب بتطبيقها عام 2015، أي بعد 60 يومًا تقريبًا من تدخل روسيا عسكريًا في سوريا، في الوقت الذي ظهرت دعوات أمريكية تطالب بنفس الأمر، كحل للأزمة التي دمرت البلاد، وأغرقتها في الإرهاب وتسببت في أزمة اللاجئين بالمنطقة.

وأكد سيرجي ريباكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن بلاده تؤيد أي مفاوضات تقوم على فكرة إنشاء جمهورية سورية فيدرالية، في وقت لم يستبعد فيه الرئيس السوري بشار الأسد، فكرة النظام الاتحادي القائم على حوار بين السوريين واستفتاء على الدستور، باعتبار أن النموذج الفيدرالي سيحافظ على سوريا موحدة ومستقلة وذات سيادة، وبعد ذلك جاءت مفاوضات آستانة وقمة هامبورج ليعيدا إحياء فكرة إقامة الدولة السورية الفيدرالية، بعد تفاهمات روسية أمريكية، وتم وضع تصورات تقضي بإقرار نظام يقوم على أساس أن لكل محافظة من المحافظات السورية حاكمًا ومجلس محافظة يتبعان دمشق فيما يتعلق بالمسائل المالية والسياسة الخارجية والدفاعية، على أن يتم تشكيل مجلس رئاسي ثلاثي يتكون من الرئيس ونائبين يحق لهما المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار، وأن يكون الرئيس علويا والنائب الأول سنيا والثاني من الأقليات.

الدستور

وفي هذا السياق، قال السفير رخا حسن، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن «روسيا طرحت مسبقًا مشروع دستور فيدرالي، كما وضعت إلهام أحمد، الرئيس التنفيذي للحزب الديمقراطي السوري -حزب الأكراد- مشروع دستور لإقليم شمال شرق سوريا على أساس فيدرالي، لكن الأمر غير ممكن تحقيقه لأنه تحدٍ لإرادة سوريا وإيران وتركيا والعراق، وكذلك أمامنا تجربة أكراد العراق عندما تمكنوا من الحصول على حكم ذاتي موسع للغاية، وبالرغم من ذلك قرروا الانفصال رغم التحذيرات من الخسائر الكبيرة التي سيلقونها.

الانفصال

وأوضح عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، خلال حديثه لـ"فيتو"، أن "فكرة الانفصال غير مناسبة وتثير مشكلة الطموح الكردي لإقامة دولة كردية للأكراد كما الأرمن الذين استقلوا عن الاتحاد السوفيتي، ولكن الأمر فشل معهم عندما اصطدموا بأربع دول وهم تركيا والعراق وإيران وسوريا، والذين اتفقوا أنه في حال قيام تلك الدولة سيضيقون عليها ويعلنون الحرب ضدها، باختصار لا تركيا ولا النظام السوري ولا إيران سيسمحون بوجود حكم فيدرالي أو حكم ذاتي موسع للأكراد في سوريا"

وأضاف أن "النظام السوري بمساعدة إيران وروسيا أصبح في وضع قوي ويستطيع ينشط اتفاقية أضنة بين سوريا وتركيا والتي تقضي بالتعاون في حماية الحدود بحيث تكون هناك دوريات عسكرية لكل من الدولتين على حدودهما، ومن حق كل دولة التوغل مسافة 5 كم في أراضي الدولة الآخرى لمواجهة الأكراد"، مؤكدًا أن الجلسات لاتزال جارية حول الدستور السوري بجنيف والجانب الحكومي يرفض أن يكون هناك نظاما فيدراليا ويطالبون بإعادة الدولة السورية الموحدة على أسس ديمقراطية وتفعيل الحريات العامة في الدستور.

، وتوقع أن يكون للأكراد دور لكن في إطار محافظة كما كان الوضع مسبقًا، موضحًا أن الأكراد وقت حكم حافظ الأسد كانوا ضمن السنة الذين نظموا ثورة ضده بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من 90% منهم سنة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدولة السورية لا تفرق بين الأقليات التي تقيم على أراضيها على كافة المستويات، وكان ذلك وفقًا لنظام مركزي قوي.

الولايات المتحدة الأمريكية

كما أوضح "رخا" أن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بشدة لإقامة الدولة الفيدرالية وتأسيس الحكم الذاتي للأكراد، لكنها تعلم أن اليد العليا أصبحت لروسيا في سوريا خاصة بعد إقامة قاعدة الطائرات الهليكوبتر في مدينة القامشلي، إلى جانب قاعدة حميم للطيران الجوي المقاتل. 

اليمن

وفي اليمن، يعود مقترح تقسيم البلاد ضمن نظام فيدرالي إلى عام 2014، ويعد ذلك المقترح من ضمن أسباب النزاع الحالي، فقد كان من المفترض أن تضع خطة الرئيس عبدربه منصور هادي البلاد على طريق الاستقرار ومعالجة المظالم المحلية القديمة نحو الحكومة المركزية، إلا أن مقترح الرئيس لم يلق ترحيبًا بل كان الاستياء والغضب هو السائد.

وكان من أهم أسباب ذلك عدم التوصل إلى آلية يتوافق عليها الجميع لتوزيع عائدات البلاد من الموارد الطبيعية، حيث اشتمل المقترح على تخصيص أقاليم ذات كثافة سكانية منخفضة تتمتع بسيادة على الموارد الطبيعية، في حين تم تقسيم أقاليم أخرى ذات كثافة سكانية عالية لكن دون موارد ومنع الحوثيين من أي منفذ بحري.

وأكد السفير رخا حسن، أن "الحراك الجنوبي في اليمن كان يطالب الرئيس على عبدالله صالح بأنه يعيد تقسيم اليمن، وأن الوحدة فرضت عليهم، وجميع الإمتيازات يحظى بها الشمال، وهم سنة شافعية، بينما الشمال شيعة زيدية ماعدا أقلية وهي الشيعة الجعفرية ويتكون منهم الحوثيين"، موضحًا أن بذرة الدولة الفيدرالية موجودة في اليمن، واتفاق الرياض الأخير بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي جعلهما على وفاق حتى الآن، لكن السؤال هنا هل من الممكن أن يستمر ذلك الوفاق رغم وجود الرغبة في الانفصال؟! .

وأشار إلى أن الحلول المطروحة حاليا للأزمة اليمنية، تتمثل في 3 مرجعيات أساسية، وهي المبادرة الخليجية ولازالت قائمة، ومخرجات مؤتمر المصالحة الوطنية 2015، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، مؤكدًا أن السعودية لن تشجع ائتلاف الجنوب على الانفصال وسيتم الدفع إلى الدولة الموحدة مع نوع من الذاتية للجنوب، ولكن يزال احتمال إقامة الدولة الفيدرالية قائم ولكنه ليس مؤكدًا ويتوقف على المفاوضات الجارية وفتح قنوات للحوار مع إيران.

ليبيا

  أما في ليبيا، فإن طرح فكرة الفيدرالية ظهر بشدة في أعقاب نشوب التوتر عام 2012م، وإعلان برقة إقليما فيدراليا من جانب، واحد، ولكن الأمر لم يطبق فعليًا على أرض الواقع، وصاحبه دعوة لإعلان دولة مكونة من ثلاثة أقاليم "برقة وطرابلس وفزان"، وتنوعت ردود الفعل بشأنها ما بين يراه نظاما عادلا لتوزيع الثروات بينما البعض الأخر رأى أن الهدف منها هو تقسيم ليبيا إلى دويلات.

وكذلك في عام 2013 و2014 أغلق إبراهيم الجضران موانئ النفط في برقة مطالبًا بإقامة إقليما فيدراليا حتى حرر الجيش الليبي تلك الموانئ وسلمها للمؤسسة الوطنية للنفط، وبرز التأييد الشديد للفيدرالية في ليبيا من جانب الإخوان رغم رفضهم لها في وقت سابق، للحفاظ على سيطرتهم على العاصمة طرابلس وعلق عضو المجلس المصري للشئون الخارجية على الوضع في ليبيا، بقوله: من الخطورة الشديدة تقسيم ليبيا إلى أقاليم فيدرالية، باعتبار أن عدد سكانها قليل جدًا، والجنوب فقير، والشمال غني بالسواحل والزراعة والبترول، وفي حال تقسيمها لن تتوافر الأسس الممكنة للتقسيم، فمن الصعب تقسيمها على أساس قبلي وتوزيع الثروات بناء على ذلك، وأغلبية دول العالم تدفع نحو حل الأمم المتحدة بأن جميع الأطراف تشارك في الحل.

وتابع: دول شمال أفريقيا وعدد من الدول الأخرى ترفض الاعتراف بالجماعات الإرهابية في ليبيا إلا وفقًا لتصنيف رسمي في الأمم المتحدة، بالخلاف مع مصر والسعودية والإمارات، بما يعقد الصراع بين الطرفين ويزيد من عرقلة الوصول إلى حل، في ظل تنافس دولي رباعي من جانب روسيا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا.

نقلًا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية