في عز الظهر..مسجد وكنيسة شاهدان على جريمة ذبح عبده..طعنه مسجلان أمام "القديسة مريم" ولفظ أنفاسه الأخيرة أمام جامع "قدوس"
خرج محمد كعادته كل صباح وهو يتمتم بعبارات يفتتح بها باب رزقه، يتوسل بها إلى الله أن يكفيه شر اللقمة الحرام، ويكفيه شر أولاد الحرام من حفدة إبليس، ويرجعه إلى أهله سالما من كل سوء غانما لكل خير.
لم يكن يعلم الشاب الذي ضحى بمستقبله من أجل أمه وأخواته البنات وأبيه العاجز أن الحياة لن تمهله كثيرا لأن هناك نوع من البشر لا يعرفون معنى أن يشقى إنسان حتى يوفر لنفسه وأسرته حياة كريمة، يعيشون كالطفيليات، يتسلقون على آلام البشر، ويمتصون دمائهم كحشرة البرغوث، ويقتاتون على طعامهم، تشربت عروقهم الإجرام، وجرى في دمائهم، وتمكن من نفوسهم العتيدة بالشر.
حكاية عبده ١٨سنة الذي قتل في شبرا الخيمة على مرأى ومسمع من الناس ورجال الشرطة وفي وضح النهار وعز الشمس، هي حكاية كل شهيد لقمة عيش، تبدا بتضحية من الابن الأكبر بعد مصيبة تضرب الأسرة، وهو ما فعله الشاب الذي كان متفوقا في دراسته حتى المرحلة الإعدادية، يحلم بأن يصبح ذا شأن ليهون على أبيه المسكين شقاءه وتعبه من أجله وأخواته البنات، ويزيح عنه شقاء السنين التي قضاها أرزقيا باليومية، يلهث من أجل لقيمات يقيم بها وأد زوجته وأبناءه، ويكفيهم شر الأيام ومذلة الحاجة، إلى أن جاء يوم واصيب الوالد بعجز أقعده عن العمل، وتكالب عليه البلاء بالمرض، فرضي صابرا محتسبا، وإن كان لم يخلُ قلبه من الهم والحزن على ما أصابه وعجزه عن تدبير أمر ذويه.
كان الشاب قد نضج واجتاز المرحلة الإعدادية بتفوق عندما حلَّ قدر الله بأسرته الصغيرة، ولما رأى من حال أبيه الهم والحزن واليأس يأكل قلبه، أقدم بفروسية ونبل لا يتناسبان مع حداثة سنه، فأخبر أباه أنه ترك المدرسة وتفرغ للعمل بإحدى الورش الصناعية، كي يرفع عن كاهل أبيه حمولة الفقر، ويعصمه من مذلة الفاقة وشر العوز.
وعلى الرغم من أن الأب ثارت ثورته واشتعلت غضبته، بعد أن رأى زهرة عمره تكاد تذبل أمامه في ولده الذي كان يأمل أن يعلو شأنه ويسمو بين أقرانه، لمَّا بدا عليه من أمارات التفوق والنبوغ، وصعب عليه أن يأد الولد حلمه ويكسر قلبه، إلا أن الشاب أصر على موقفه بأن يكون رجلا يتحمل الشدائد حتى تعبر أسرته جسر الحياة بأمان.
أخلص محمد في عمله حتى استطاع أن يدخر مبلغا من المال دفعه كمقدمة لشراء توك توك بالتقسيط يعمل عليه، وفي أثناء ذلك تكفل الشاب بكل مسئولياته دون أن يخل بواجب أو يدع أحدا من أخواته محروما، فكان يرضى بما يفتح الله عليه من باب الرزق، فمرة مئة جنيه، ومرة مئتا، كانت تنفق في تسديد مصروفات أخواته البنات ودروسهن وكسوتهن، وجزء يضعه في مصروف البيت، وعلاج أبيه المريض بالسكر، لا يعرف سهرا ولا شرابا، بل نظرة عين تنضح بالرضا والسلام الذي كان يستمده عيون أخواته ووالديه عندما يرى فيها الفرحة والغبطة.
وفي يوم الجريمة، خرج وقلبه منقبض وكأنه يستشعر نهايته، أمه قالت إنه لم يتناول فطوره الذي اعتادت أن تجهزه له بنفسه، وكان سريع الغضب لم يتحمل مزاح أخته الصغيرة، خرج مسرعا يتعجل قدره عندما لاقاه اثنان من الأشقياء أرباب السوابق ومعتادي الإجرام، وفي وضح النهار وعلى عين كل المارة في شارع الشربيني بشبرا الخيمة، وأمام كنيسة القديسة مريم، تلقى محمد أربع طعنات في صدره وبطنه أردته قتيلا في الحال، وكان السبب أنه حاول أن يحمي لقمة عيشه من عبث المجرمين ورفض أن يسلم لهما التوك توك الذي أرادا أن يأخذاه منه بالإكراه، فأشهرا سلاحهما في وجهه وأصرا على أن يسلباه مصدر رزقه، فيما وقفت وقوة رجال الشرطة المكلفين بحماية الكنيسة يشاهدون ما يحدث دون أن يغمض لهم طرف، وكأن حياة هذا الشاب لا تعنيهم.
وأمام الكنيسة كانت الطعنة الأولى، ثم توالت الطعنات، ليلفظ أنفاسه أمام مسجد قدوس بشبرالهبمة قسم تاني .. بعد أن ظل يزحف غارقا في دمائه أمام الناس، ومتأثرا بجراحه، لمسافة نحو 30 مترا، ليسقط أمام المسجد جثة هامدة، وكأنه يشهد بيوت الله وصوامعه، وعباده من مسلمين ومسيحيين سنوات الشقاء والكفاح التي عاشها مع أسرته وانهارت مع طعنات بمنتهى البساطة على يد اثنين من البلطجية ما زالا إلى كتابة هذه السطور يعيشان طلقاء وحتى الآن لم يتم القبض على المجرمين، على الرغم من مرور أسبوع كامل على الجريمة، وتمكن رجال مباحث القسم من تحديد هوية القاتلين عن طريق الاستعانة بكاميرات المراقبة المثبتة على عدد من المحلات التجارية غي المكان الذي شهد الجريمة، الأمر الذي تسبب في غضب لدى الشارع الشبراوي الذي حضر عن بكرة أبيه تشييع جثمان الشاب إلى مثواه الأخير، بعد أن استولى عليهم الرعب من أن يكون مصيرهم وأولادهم مرهون في يوم بنصل مطواة لبلطجي عربيد
نيابة الشرقية تحيل مرتكب واقعة قتل ربة منزل وحفيدتها للجنايات
إن أسرة هذا الشاب الفقير لم يعد لهم سوى رحمة الله، ولأنهم فقراء ويعيشون كملايين البشر على هامش الحياة، فلم يعد لهم أمل بعد أن فقدوا عائلهم الوحيد، سوى أن يتوجهوا بنداء إلى اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، باعتباره موكلا لتطبيق العدل على هولاء المجرمين الذين خطفوا من بينهم زهرة عمرهم، في أن يتدخل فورا وبنفسه من أجل تحقيق العدل الإلهي الذي لا يعني سوى القصاص من المجرمين.