المواقع الاجتماعية تعيد زمن الإذاعات الأهلية
قوة المواقع الاجتماعية كوسيلة ضغط ومساعدة في تطبيق العدالة لا يستهان بها، فبعد ساعات من انتشار فيديو لسيدة وهي تعنف ابنها فقد تحركت الجهات المعنية ليتم ضبطها وهذا الفيديو ليس الأول من نوعه.. فقبلها انتشر فيديو الاعتداء على شاب معاق ذهنيًا وتم القبض على المتهمين.. وغيرها العشرات من الأمثلة التي لعبت خلالها المواقع الاجتماعية دور البطولة عبر مساهمتها في تحقيق العدالة.
رغم هذه المساهمات الإيجابية للمواقع الاجتماعية إلا أن البعض لا يزال يتعامل معها بتشكك ويحملها الكثير من الأخطاء دون مراعاة كونها جزء ا من ثورة تكنولوجية جديدة تحتم ظهور بعض السلوكيات الخاطئة التي تحتاج المزيد من الوقت والتجربة والتعلم من الأخطاء حتى الوصول إلى مرحلة النضج.. وبالتالي فإن اعتبار البعض أن حل المشكلات الناجمة عن استخدام هذه المواقع يتمثل في إغلاقها يشبه مطالبة آخر بإلغاء السيارات والعودة للقرون الوسطى بحجة وجود سلوكيات خاطئة من بعض السائقين أو تزايد معدل الحوادث!
إنها تجربة حديثة تحتاج المزيد من الوقت للاستفادة من مزاياها.. وبالعودة للنظر إلى تجربة أخرى كانت حديثة في زمانها.. وتحديدًا في بدايات القرن العشرين عندما ظهرت في مصر الإذاعات الأهلية التي كانت تبث من غرفة صغيرة أو شقة متواضعة.. وكونها في ذلك الوقت تجربة جديدة وبلا تنظيم حقيقي فقد استخدمها أصحاب هذه الإذاعات بما يروق لهم.. فتارة تُستخدم للإعلان عن بضائع وأخرى في بث رسائل غرامية، مثلما قرر الشاب اليوناني "ريني" المقيم بالقاهرة أن ينشئ إذاعة أهلية خاصة ليذيع لحبيبته من خلالها أسطوانات الحب.. أما آخرون فقد استخدموا هذه الإذاعات في إرسال الهجوم والشتائم إلى خصومهم!
النظرة العامة إلى الإذاعات الأهلية يوضح أن التجربة لم تحتو على الأخطاء فقط لكنها كانت وسيلة الانتشار لمواهب كثيرة بدأت شهرتها من خلالها مثل: إسماعيل يس وفريد الأطرش وأسمهان وغيرهم الكثير. كما يحسب لها ابتكارها العديد من البرامج والمواد الإذاعية التي استفادت منها لاحقًا المحطة الحكومية عند إنشائها.
أعطت الإذاعات الأهلية الفرصة، في بدايات القرن العشرين، لأصحاب المواهب في مجالات التأليف والتلحين والغناء للظهور والانتشار.. مثلما أعطت المواقع الاجتماعية الفرصة للمواهب في القرن الحادي والعشرين للحصول على مكانتهم وتعريف الجمهور بهم بعيدًا عن القيود ومحدودية الفرص في الإعلام التقليدي.. ومثلما استفادت الإذاعة الحكومية من الإذاعات الأهلية في وضع برامجها وموادها الإذاعية فقد استفاد الإعلام التقليدي من المواقع الاجتماعية في تحديد أجندة العمل وموضوعاته..
تظل المواقع الاجتماعية بمثابة أدوات تمكين للمستخدم تساعده في التعبير عن رأيه ونشر أفكاره الريادية والتواصل مع الشخصيات العامة والمسئولين والمساهمة في خدمة العمل الخيري والمجتمعي بجانب كونها وسيلة مهمة لأصحاب المؤسسات وقادتها للتمكن من قراءة مشاعر الجمهور ورصد الأخطاء والعمل على معالجتها قبل تفاقم الأزمة. وعلى الرغم من مرور سنوات على استخدام هذه المواقع إلا أن التجربة لا تزال حديثة وتحتاج المزيد من الوقت والتنظيم حتى تصل إلى المرحلة التي تجعلنا نستفيد من مزاياها ونتخلص من عيوبها.