ثقافة الكلسون!
ضجة على السوشيال ميديا صاحبت صورة ظهور الفنانين عمرو دياب وأحمد حلمى على متن إحدى الطائرات، حيث ظهر كلسون الفنان أحمد حلمى أسفل البنطلون، وكان الأمر مشابها عندما ظهر الفنان عمرو دياب فى أحد الحفلات فى سبتمبر الفائت بما يشبه الكلسون أيضاً واتضح بعد ذلك أنه ماركة يونانية حديثة.
الكلسون هو صديق الشتاء مهما كثرت أقاويل البعض بأن ما يرتديه فلاح! أو صعيدى، نعم الكلسون هو الصديق الذى لا يستغنى عنه الصعايدة من زمن بعيد، ومع إصرار المصريين على ارتداء الكلسون اتجهت المصانع للتوسع فى تصنيعه فظهرت منه أشكال وألوان كثيرة وبأسعار متفاوتة، ولكن مهما تنوعت أشكاله سيظل الكلسون “كلسوناً”.
يرجع أصل تسمية الكلسون كما أوردته بعض مواقع التواصل الإجتماعى وكما ذكرها موقع صدى البلد، أنه فى زمن الاستعمار البريطانى لأمريكا، يقال إن الجنود الإنجليز كانوا يأسرون الهنود الحمر ويجبرونهم على التعري ليتم جلدهم بالسوط على جميع أجزاء الجسم، وأن أحد الهنود ابتكر طريقة لإخفاء عورته حيث قام بتمزيق جزء من فراش السجن ولفه حول العورة، وعندما أتى الجنود ليعذبوه ووجدوا قطعة قماش على جسده، أمروه أن يخلعها فأبى فضربوه وأمروه أن يخلعها مرة أخرى فلم يرض ولاذ بالفرار بسرعة، وعندها أمر الجنرال الإنجليزي بقتل الهندي قائلاKill him Soon “:” فقتل الهندي بسرعة ورموه في السجن وعندها حذر الجنرال بقية الهنود أن من يلبس تلك القطعة.
الحكومة تنفي تلف المحاصيل الزراعية بمناطق "السدة الشتوية"
عامة فإن الكلسون يذكرنا بالشتاء في الصعيد حيث كنا نجمع الحطب والأخشاب لنوقدها أمام المنازل ليلا ويلتف الصبية من أبناء العائلة لنتسامر ونتبادل الحديث والحكايات، وفى المنازل كان يتم تجهيز "المنقد" في المغربية لتوضع به "كوالح الدرة" ليتم إشعالها والتدفئة بنيرانها الذهبية.
هناك كان التجمع والتسامر والتواصل وكان أحلى شاى هو ما يتم إعداده في "المنقد" بعد صفاء النيران وخاصة إذا كان بجانبه خبز "البتاو" محمصا على نيران المنقد الصافية.
حال كنا تلاميذ صغار في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كنا نتشوق لأمطار الشتاء حيث اللهو واللعب تحت المطر وكان شعارنا "مطرى يا مطرة عباس ...خلى حميدة تملى البلاص" ولا أدرى من عباس ومن حميدة حتى الآن!
كان الضحك لا ينقطع على أحدنا الذى سقط في وحل أمطار الشتاء فقد كنا نترجل على الأقدام قرابة 3 كم للوصول للمدرسة. عند سقوط الأمطار كانت السيدات يتوجهن على الفور أعلى سطوح المنازل لتغطية صوامع الغلال بالحصر وكان حظها سيئا تلك التي قررت أن تعد العيش الشمسى في اليوم الممطر.
محافظة أسيوط تكشف حقيقة ظهور حيوان يشبه الأسد بإحدى القرى
هناك في بلادنا كانت الكوفيات والطواقى الصوف تعتلى رؤوس الرجال في الشتاء وكانوا يحرصون على أرتداء البالطو والعبايات السوداء أو البنية وقاية من برد الشتاء. العدس والمخروطة والبصل المشوى والبصارة والسحلب كانت مواد غذائية لها وزنها في مجابهة عواصف الشتاء.
هناك الشوارع تكاد تخلو من المارة بعد العشاء وكذلك المقاهى وكان الحظ مناسبا في ليلة الخبيز حيث كانت الفرصة تسنح للتدفئة والخبيز في ذات الوقت. هناك في الشتاء كان الموعد لغلق التلفزيونات التي تواكب أيام الدراسة فكأن الشتاء كان يأتي لنصبح في صوامع العلم والبيات الشتوي معا.
هناك كان الاستيقاظ فجرا خاصة في الشتاء، وما زال صوت الشيخ الحذيفى يرن في مسامعى من شريط التسجيل العراقى الذى كان أهداه أحد الأقارب لنا في الثمانينيات، وأظن أن والدى ما زال يحتفظ بهذا التسجيل إلى الآن.
هناك كان التجمع وجها لوجه ومن يحتاج شخص في موضوع يذهب لمنزله ليتناول الشاي ويقص موضوعه، كان الناس أكثر تقاربا وتواصلا بينما في عهد الإنترنت وتطبيقات الفيس بوك وتويتر أصبح العزاء مجرد بوست والتهنئة مجرد تعليق فتمزقت الكثير من الروابط.
رغم صقيع البرد وهطول الأمطار إلا أن الكثير كان يروى الزرع ويُخرج مواشيه للحقول، ليس تحديا للطبيعة ولكن لحرصه على مصدر رزقه، وكثير ما ابتلى البسطاء في قوتهم عندما تأتى الأمطار والرياح على الزرع المروى حديثا.
مع الشتاء تتجدد ذكريات الكثيرين، وكأن الشتاء جاء لينقب في مكامن الماضى ليبعث فيها كل ما هو جميل، رحم الله كل من شاركونا ذكريات الماضى ورحلوا عن عالمنا من أجداد وأعمام وجدات وأولاد عمومة وأصدقاء وزملاء، وللحديث بقية أن كان في العمر بقية.