غزوة البرقع !
المشكلة الأكبر بالنسبة لى ولكثيرين مثلى ، هى أن من تصدوا متجاسرين لموظفة قصر ثقافة كفر الدوار و خافوا منها على الوطن ، ثم دشنوا حملة ضد نقاب تلك الموظفة المسكينة جزعا على قيم المجتمع وعلى حركة الفنون فى مؤسسة لا يدخلها إلا ثلة ضئيلة من المهتمين، فى زمن أنسى الجميع معنى الحياة و الفنون والثقافة، لم نرهم يوما يشتبكون مع هموم المواطنين، ولا مع قضايا أكثر إنسانية ومأساوية كقضايا الإنتحار والفقر والمرض والمهمشين والمشردين طالبى اللجوء الإنسانى للستر والرحمة من مجتمع يزداد قسوة يوما بعد آخر.
ولقد عشنا زمنا نتوهم ان تلك هى قضايا اليسار الكبرى و التى أحببنا من أجلها فطريا اليسار والفكر الإشتراكى، حتى و إن لم ننضم لمنظمات أو أحزاب يسارية، أو هكذا تسمى أنفسها فى مصر منذ فرض السادات عودة الأحزاب بالأمر المباشر فى السبعينيات، وبعد تخلصه من إرث دولة عبد الناصر انتقائيا فى أمور بعينها أهمها مسحة العدالة الإجتماعية والاقتصاد الموجه، لكنه حاول عوضا عن ذلك فرض نفسه كبيرا للعائلة المصرية وتزييف السياسة المصرية التى كانت تسير بعصا عبد الناصركزعيم ملهم، فتحولت لزعامة أسرية قبلية على يديه الكريميتن، و أصبح هناك عرفا لدى كثير من عشاق الاقتراب حتى الاحتراق بنار السلطة أن يزايدوا على الدولة المصرية، وعلى قيمها أكثر من رجال الدولة أنفسهم!
فما يقال على صفحات الفيس بوك أو غيره من وسائل التواصل الإجتماعى من مجاملة لمن قاموا بالحملة، يتجاهل ما قيل عن نفس الأشخاص من آخرون يرونهم متصيدى فرصة لظهور بجوار النظام لنيل ثقته، أو حتى عصاه التى ربما يتوهمنوها واقعة عليهم يوما ما كما يتوهم الكثير.. و هذا إرث ثقافى مصرى إشتهر مع قدوم المعز لدين الله الخليفة الغازى الفاطمى الشيعى منذ أن أشهر سيفه فى وجه معارضيه و نثر ذهبه قائلا هذا حسبى و هذا نسبى !
و استمر هذا الإرث بعده و لو من قبل طالبى ذهب كل معز بعده، وربما بدأ قبله منذ فجر هامان و قارون مع فرعون تزاوجا فاسدا بين السلطة و المال ضد موسى، وبالقطع انا لا أرى النقاب فرضا دينا او شرعا و لا ألزم به زوجتى او ابنتى، مع حبى الفطرى للإحتشام والاحترام فى الزى عامة، ولكن التنمر ضد امراة ضعيفة لم يكن لوجه الثقافة أو لوجه الوطن، و بالقطع ليس لوجه الله!
وتلك الحملات الجوفاء ربما تضر الدولة أكثر مما تفيدها، فعندما تظهر الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة محاربة وعازلة لموظفة بسيطة فى إقليم شبه منسى، و ذلك لإراتدائها ما يسمى عرفا بالنقاب، أووضع برقع بسيط فوق وجهها، لأن صور الموظة (الفنانة) تشىء لنا بعصرية فى زيها وتعاملها مع الفنون، فهى فنانة تشكيلية متفوقة علميا و أكاديميا ، فهذا من شأنه إصدار أحكام بأن الدولة تضطهد المتدينين و تحارب التدين ، مع أن التيار السلفى باجنحته المختلفة مؤيد للدولة ولم يضبط ذات يوما معارضا لأى قرار حكومى، كما أنه يحتل عددا لا بأس به من مقاعد مجلس النواب الذى يكاد يخلوا من صوت معارض!
أكاد أجزم بأن المستفيد الأوحد من تلك الضجة الفارغة هو من أثارها، فالدولة كما أوضحنا تخسر كثيرا من هؤلاء المتطوعين الذين يظهرون فى زى المحارب المجانى بينما جل همهم هو اكتساب مزيد من الظهور الفضائى المربح جدا وتقديم أنفسهم لمعدى القنوات مقابل أجر، ولا مانع أيضا من إظهار أنفسهم فى شكل الوطنى التقدمى الغيور على وطنه من تلوث دينيى يمينى متطرف يجهز على مدنيتها و تقدمها، بينما الأمور ليس كذلك والتجارة بالشعارات التقدمية صارت مهنة مربحة جدا لكل غاوى ظهور، وصارت كلمات كالتنوير والتقدمية كلمات مشبوهة على أيديهم المباركة.. لطفا بالوطن فهو لا يتحمل أمثالكم!
fotuheng@gmail.com