رئيس التحرير
عصام كامل

"أبو فاشا".. شاعر الإذاعة في عهدها الذهبي

هو أحد رواد العمل الإذاعي، في العصر الذهبي.. احتل اسمه مكانة رفيعة بين الشعراء وكتاب الدراما. طاهر أبو فاشا يذكره المستمعون من خلال حلقات "ألف ليلة وليلة"، الشهيرة، التي اعتادت الإذاعة المصرية تقديمها منذ ما يزيد على ربع قرن، بصوت الفنانة زوزو نبيل، المميز، فضلًا عن قصائده الصوفية التي شدت بها أم كلثوم في فيلم "رابعة العدوية".

كتب أبو فاشا للإذاعة الكثير من الأعمال، أشهرها "ألف ليلة وليلة"، التى ألَّف منها 800 حلقة، على امتداد 26 سنة، وله مجموعة من الصور الغنائية، منها "ملاح النيل"، و"أصل الحكاية"، و"الشيخ مجاهد"، كما أعد سلسلة "أعياد الحصاد"، وهى سلسلة درامية غنائية تمثيلية، وكتب عملًا دراميًّا غنائيًّا ضخمًا بعنوان "سميراميس"، كان مقررًا أن تمثله أم كلثوم، لكنه توقف لأسباب غير معروفة، كما قدم للإذاعة مسلسل "ألف يوم" فى 600 حلقة، وقدم مجموعة كبيرة من الأغانى منها "نشيد الجيش"، و"نشيد الطيران"، وغنتهما أم كلثوم.

وله دواوين شعرية كثيرة، منها "صوت الشباب"، و"القيثارة السماوية"، و"الأشواك"، و"الليالي"، و"راهب الليل"، وقد ظل عنوان هذا الديوان وصفًا ملازمًا للشاعر.

مسلسل ممالك النار الحلقة 14 .. شاهد الحلقة الاخيرة

كتب أبو فاشا نحو 200 عمل للإذاعة والتليفزيون، منها "فوازير رمضان" التليفزيونية، كما كتب الأوبريت الإذاعي "رابعة العدوية"، الذى غنته أم كلثوم قبل ظهور الفيلم، وله كتب أدبية وتاريخية وسياسية، منها "هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف"، و"الذين أدركتهم حرفة الأدب"، و"العشق الإلهي"، و"وراء تمثال الحرية"، و"تحقيق مقامات بيرم التونسي".

عمل مدرسا بمدرسة "عنيبة"، ثم بالواحات، وقطع رحلة التدريس بالعودة للقاهرة ليعمل بالفن والصحافة، وراح يؤلف التمثيليات الفكاهية وغيرها، ويختلط ببعض الفرق الفنية التى تعرَّف، من خلالها، على خفايا الفن، ولما زارت إحدى الفرق مدينة الزقازيق أقام لها إبراهيم دسوقى أباظة باشا، أحد أعلام الشرقية، حفلًا، وألقى خلاله الشاعر الشاب آنذاك قصيدة جذبت نظر الباشا، فتعرف أباظة عليه، ورعاه، ودعاه للعودة إلى التدريس، فعاد مدرسا بمدرسة دمياط الابتدائية الأميرية، ثم مدرسة المعلمين بسوهاج، وحين أنشئت جماعة "أدباء العروبة"، انضم إليها.

عينه الوزير إبراهيم دسوقي أباظة سكرتيرًا بوزارة الأوقاف، فلما نقل (الباشا) وزيرًا للمواصلات نقله معه، وجعله وكيلا لمكتب بريد العباسية، فرئيسا للمراجعة العامة، وانتهى به الأمر فى وظيفة بإدارة الشئون العامة للقوات المسلحة، رئيسًا لقسم التأليف والنشر، وبقي فيها حتى أحيل للمعاش، فتفرغ للشعر والإبداع، ووجد طريقه إلى العديد من النوادى والمجالس الأدبية، ومنها ندوة "القاياتي" التى كانت تضم جمهرة من كبار الأدباء، من أمثال حافظ إبراهيم وعبدالعزيز البشري، وكامل كيلاني، وزكى مبارك.

نيولوك جديد لصباح الخير يا مصر في تغطية الأحداث

كان أول أعماله في الإذاعة "أفراح النيل" مع الإعلامي كروان الإذاعة محمد فتحي، وقد أحدث ذلك البرنامج ضجة كبيرة في وقتها، وذلك ما شجعه على الاستمرار، وبعد ذلك توالت عليه الأعمال الإذاعية.

 

ولد أبو فاشا يوم 22 ديسمبر 1908 بمدينة دمياط، حيث تلقى تعليمه الأولي، ونشأ في أسرة متوسطة، كان والده تاجر حبوب، وكان من المفترض أن يكتسب مهنة والده حيث تجري عادات وتقاليد دمياط، ولكن نظرًا لأن تجارة الحبوب راكدة، فقرر والده أن يُعلمه صناعة الأحذية، وبالفعل تمكَّن من تلك الصنعة، ولكنَه تركها لأنه كان الابن الوحيد لأسرته، وهذه الصنعة صعبة، فقررت والدته أن تُبعده عنها نهائيًّا، ثم بعد ذلك التحق بالمعهد الديني الملاصق لدكان والده، فحفظ القرآن كاملا في شهور قليلة مع تجويده، فكان يمكث في مكتبة المعهد طوال الوقت، حيث قرأ كثيرًا من الكتب التراثية.

كان أول ديوان يؤلفه طاهر أبو فاشا هو "صدق الشباب"، قبل أن ينتهي من مرحلة معهد دمياط، ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر، وهناك التقى بكبار الأدباء، والكُتاب أمثال حافظ إبراهيم ولطفي السيد، ولكنه فُصِل بسبب تظاهرهم لرغبتهم في إقامة حفل تأبين لأحمد شوقي، ولكنه ظل يكتب شكواه لكل المسئولين، حتى إنه كان يُنظِم شعراً يتحدث عن الظلم الذي تعرَّض له، وبالفعل انتصر لنفسه، وتم إلغاء قرار الفصل، وعاد إلى المعهد.

وبعد أن انتهى من المعهد التحق بكلية اللغة العربية عاما واحدا فقط، ثم بعد ذلك التحق بكلية دار العلوم، وبعد أن تخرَّج في الكلية، وكان من الثلاثة الأوائل، تم تعيينه بقرية من قرى أسوان، فلم يستطع العيش فيها لظروفها، فكتب شعرًا يُخاطب به المسئولين بعدم قدرته ومعاناته في ذلك المكان، فاستجابوا له، ونُقل إلى الواحات الخارجة، التي يقول عن أيامه فيها إنها كانت من أحلى أيامه، ثم نُقِلَ لوزارة المعارف.

وكانت هناك علاقة تربط بين طاهر أبو فاشا والإذاعة والتي قال عنها إنها أشبه بالجناية لأنها صرفته أكثر من ربع قرن عن الشعر الذي يُعتبَر عشقه الأول. تنوعت أشعاره بين العامية والفصحى، وتميزت العامية منها ببساطتها ودقة تعبيرها، والفصحى بلغة عربية سليمة وسحر خاص في إبلاغ المواطن الجمالية المختلفة.

 

وفي أدب الرحلات كتب "وراء تمثال الحرية"، أثناء رحلته لأمريكا لزيارة ابنته عزة، وكذلك كتابه "20 يومًا في روما". وله العديد من الكتب ذات الموضوعات المختلفة وبعضها سياسي، ومنها: أيام وأحداث، الجمهورية العربية المتحدة، في معركة المصير العربي، قصة السد العالي، الجلاء من الألف إلى الياء، قصة ميناء دمياط".. حظي بالكثير من أوجه التقدير، إذ حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1988.

وبعد وفاة زوجته نازلي المهدي فى 29 سبتمبر 1979 عانى حزنًا شديدًا، وحاول التغلب عليه باستكمال إصدار دواوينه حتى كان ديوان "دموع لا تجف" عام 1987، والذي أهداه إلى ورح زوجته، وعبر فيه عن مدى الحزن والألم الذي ظل مسيطرًا عليه بعد فراقها، ومن أشعار رثائها التي كتبها في هذا الديوان قصيدة بعنوان "الكأس"..

كما سيطر عليه شديد الألم بعد وفاة ابنه الأكبر فيصل بفترة قصيرة من وفاة زوجته ورثاه في العديد من القصائد.

وتوفي طاهر أبو فاشا في مثل هذا اليوم 12 مايو من عام 1989 عن عمر ناهز 81 عامًا بعد معاناة الأسى والوحشة لرحيل زوجته وابنه الأكبر، لتعود ابنته المهاجرة إلى أمريكا "عزة" لتراه، وودعته إلى مثواه الأخير.

الجريدة الرسمية