الدكتور على الله الجمال يكتب: مخاطر الانتحار
لقد حبست أنفاسنا جميعا حين أقدم شاب برج القاهرة على الانتحار، ثم تكررت الواقعة بانتحار شاب تحت عجلات مترو الأنفاق، وكأن الانتحار أصبح موضة، وما كنا نحسب أن هذا الداء سيصيب أمتنا الإسلامية والعربية.
وما كان انتحار شبابنا عن رفاهية في العيش أو بسبب أنهم مارسوا كل الملذات حتى سئموا من الحياة كحال بعض البلدان الأوروبية كالسويد مثلاً، بل كان انتحارهم نتيجة اليأس الذي دب في قلوبهم حتى توهموا أنهم عجزة أمام عقبات الحياة.. إن واهب الحياة هو الله.. والإنسان ما هو إلا أمين على نفسه وروحه، ولما كانت هذه النفس حقا للخالق فقد وضع لها الضمانات التي تحفظ الأنفس والعقول والأموال والاعراض.
ولا شك أن الاعتداء على هذه النفس إنما هو اعتداء على الصانع الذي صور وأحسن الصورة حيث قال يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك.
وأقل تعبير يمكن أن نعبر به أن احتقار الصنعة أو الاستخفاف بها ما هو إلا اجتراء على الصانع.
وإذا كان ذلك الصانع هو الله فإن الجناية أشد وأعظم، وخاصة إذا ما تدبرنا قول الله عز وجل لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي، فأي جناية كهذه الجناية التي هدمت هذا البنيان الذي اعتنى به الخالق أيما اعتناء.
ولو يعلم المنتحر حين أقدم على الانتحار أنه في ثوان قليلة هدم منظومة متكاملة من النعم كالسمع والبصر والكلام وغير ذلك مما لا يحصى ولا يعد وهو يعلم أن في الناس من يتمنى أن يبذل كل ما يملك في مقابل نعمة واحدة قد حرم منها.
وكان من الواجب على المنتحر أن يقيد هذه النعم بشكرها والقيام بحقوقها من عبادة لله وتعظيم له وطاعة.
وفي الختام أقول إن الانتحار هو اعتراض على الوظيفة التي خلق الإنسان من أجلها من عبادة لله وعمارة للكون بصفته خليفة في الأرض.
وذنب المنتحر عظيم لأنه شارك الله في خاصية من خصائصه فمارس اختصاص الإله.
إذ هو سبحانه الذي يتولى قبض الأرواح ويحدد الآجال قال تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها.
( * ) إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة