أفلحت الحكومة إن صدقت!
في مبادرة تبدو طيبة ومثمرة وجميلة أعلنت الحكومة على لسان رئيسها "مصطفى مدبولي" عن اتفاق الحكومة مع البنك المركزي على تدبير 100 مليار جنيه لتمويل الأنشطة الصناعية القائمة حاليا أو الجديدة؛ تنفيذا لمطالبات مستمرة للمصنعين. وكشف مدبولي عن أن التمويل سيُقدم بفائدة 10% وبصورة متناقصة، على أن يتحمل البنك المركزي والحكومة فارق التكلفة.
وقال "طارق عامر" محافظ البنك المركزي: إن 96 ألف مؤسسة صناعية ستستفيد من هذه المبادرة، وهي المؤسسات التي تبلغ مبيعاتها أقل من مليار جنيه سنويا. وتتضمن المبادرة توجيه البنوك بإزالة الفوائد المتراكمة على المصانع المتعثرة، وعددها 5184 مصنعا، والتي تصل إلى 31 مليار جنيه بجانب إزالتها من القوائم السلبية وإسقاط القضايا المنظورة أمام القضاء.
وقد أشاد اتحاد الصناعات بالمبادرة، وذكر أن تحديد نسبة فائدة عند 10% يعد "عادلا" في الصناعة التي تآكلت فيها هوامش الربح لارتفاع التكلفة، لكن المبادرة –كما يؤكد اتحاد الصناعات- تحتاج إلى محددات لتطبيقها، دون تفرقة بين الصناعات، لتحقيق العدالة حتى لا ينحصر الإقراض في صناعات معينة.
وهذه المبادرة كما ذكرنا سابقا جيدة جدا لكن المشكلة أنها مبادرة تكاد تكون متكررة من الحكومة، بل والحكومات المختلفة التي دائما ما تخرج علينا بضرورة إنهاض الصناعة المتعثرة والوقوف بجانب المتعثرين من صغار المستثمرين والصناع، ثم ما يلبث الأمر أن ينتهي، وكأن شيئا لم يكن، فقد حدث ذلك الأمر تقريبا بنصه في عام 2018 الذي أعلنت فيه الحكومة برنامجها للنهوض بالمصانع المتعثرة عن طريق قرض بفائدة 5% ضمن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى مواجهة المصانع بالجهات المعنية بالمشكلات التي تواجههم.
وقد راهنت جمعيات المستثمرين عن أن عام 2018 في ظل إعلان الحكومة مبادرتها لحل أزمات التعثر سيكون هو عام حل مشكلات المصانع المتعثرة، وذلك بإيجاد حلول تسويقية جديدة، وتسهيل شروط الحصول على القروض بفائدة 5% كما أعلنت الحكومة بذاتها، لكن مر العام ولم يحدث تقدم ملحوظ وهاهو عام 2019 يكاد ينقضي فتعلن الحكومة عن مبادرة أخرى لحل أزمة المصانع المتعثرة لكن بقروض بفائدة أعلى، حيث يصل سعر الفائدة إلى 10% بدلا من 5% في العام السابق، فهل بذلك الحكومة تسعى لحل مشكلات التعثر أم تسعى لإفادة البنوك برفع الفائدة على حساب المصنع الصغير الذي تزعم أنها تحل مشكلته؟
كما أن أمر النهوض بالمصانع المتعثرة لا يعود إلى عرض قروض عليها فقط، وإنما هناك آليات أخرى ينبغي أن تطرقها الحكومة إذا كانت راغبة بالفعل في النهوض بتلك المصانع من كبوتها، فالمصانع المتعثرة بسبب الفوائد والبنوك قليلة مقارنة بالمصانع المتعثرة بسبب ظروف السوق العامة والتي تمثل 90% منها، فلدينا 700 مصنع متعثر بسبب البنوك من إجمالي بين 7 و8 آلاف مصنع متعثر لأسباب أخرى.
ويحتاج صاحب المصنع والمستثمر الصغير إلى آلية لضبط تنفيذ المبادرة فيما يتعلق بتسعير الفائدة، هل سعر الفائدة 10% سيتم تعميمه على كافة القطاع الصناعي أم لا، وهل سيتم تعميمه في كافة البنوك أم ستحتكر بنوك معينة الإقراض بهذا السعر، هذه أسئلة تحتاج لإجابات.
كما ينبغي وضع إطار زمني لتنفيذ المبادرة حتى لا يبني مصنع إستراتيجية على سعر فائدة منخفض ثم يقرر البنك لاحقا زيادتها، لأن الصناعة استثمار طويل الأجل، وإذا لم يتم تحديد إطار زمني فسيتم خلق مزيد من المتعثرين.
ويجب ربط الاستفادة من المبادرة باستيراد المواد الخام اللازمة للصناعة بمعرفة المصانع، فبعض التجار قد يتحايلون على هذه المبادرة ويستخدمون التمويل لاستيراد سلع وتفقد حينها المبادرة جدواها. كما يجب النظر إلى الصناعات التي تعاني بسبب متغيرات أخرى غير التمويل، مثل الصناعات كثيفة استخدام الطاقة. فهناك صناعات تتأثر بأسباب أخرى غير التمويل، ومشكلاتها الكثيرة تتعلق مثلا بارتفاع سعر الغاز، ويتطلب ذلك النظر في دعمها وفقا لمتطلباتها.
ونجاح الحكومة في إنقاذ بعض المصانع المتعثرة مرهون بمساعدتهم على تسويق منتجاتهم. فعدم قدرة المصانع على التسويق لمنتجاتهم يؤدى إلى توقف دورة رأس المال، وبالتالي تعثر المصانع جزئيًا، وانخفاض طاقتها الإنتاجية.
فعلى سبيل المثال قبل نحو سبع سنوات كان يتم تخصيص قاعة لمنتجات مصانع الصعيد في العديد من المعارض التي كانت تنظمها وزارة التجارة والصناعة بالقاهرة، ومن ثم تسويق جزء كبير من منتجات تلك المصانع، بعكس الآن حيث تتلف المنتجات جراء عدم القدرة على تسويقها.
فارتفاع تكلفة المشاركة في المعارض، فضلًا عن ارتفاع تكلفة النقل والإقامة، يحول دون مشاركة مصانع المحافظات البعيدة في المعارض المختلفة.
كما ينبغي على البنوك جدولة ديون المصانع لمساعدتها على العمل بكامل طاقتها الإنتاجية، فضلًا عن تسهيل شروط الحصول على قروض بفائدة أقل من 10% ضمن مبادرة البنك المركزي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
فعدد المصانع المتعثرة جزئيًا بمدينة 6 أكتوبر، على سبيل المثال يبلغ 1100 مصنع يعمل في قطاعات الصناعات الهندسية والغذائية والمنتجات البلاستيكية. وترجع أسباب التعثر إلى سوء الإدارة، وضعف قدرة المصانع على التسويق الجيد، بالإضافة إلى إغراق السوق بالمنتجات المستوردة التي تنتجها المصانع المحلية.
مما يستلزم وقوف الدولة مع المصانع في التسويق وفتح الأسواق الخارجية وحماية المنتج المحلي من الإغراق الخارجي بالمنتجات المستوردة، مع تيسير الشروط التي تضعها البنوك لكي تحصل الشركات على قروض ضمن مبادرة المشروعات الصغيرة، فلجوء المصانع إلى الحصول على قروض بفائدة مرتفعة يضعف من تنافسيتها مع الشركات الأخرى في السوق.
كما ينبغي عقد لقاءات بين المستثمرين والجهات الحكومية المعنية بالعقبات التي تواجههم لنجدة المصانع المتعثرة في أقرب وقت ممكن.