محطات مع الأستاذ في استراحة الكبار
كنت من بين المحظوظين الذين كانوا على مسافة قريبة من الأستاذ "محمد حسنين هيكل" أحد أشهر الصحفيين المصريين والعرب وأستاذ الصحافة العربية، والذي أثرى صاحبة الجلالة بكتاباته وتحليلاته السياسية، وكان شاهدًا على أحداث ومحطات مهمة في التاريخ المعاصر..
التقيت الأستاذ رحمه الله وأنا في بداية العشرينيات من عمرى داخل استراحة كبار الزوار بمطار القاهرة الدولى، وكنت بصحبة الزميل "حسن أبو العينين" رحمه الله القريب جدًا من الأستاذ.. كنت مبهورًا باللقاء الأول حيث كنت شغوفًا لسماع الأستاذ في موضوعات كثر..
وفى مارس ١٩٩٠ كان الأستاذ في استراحة الكبار في انتظار زوجته القادمة من باريس، وكان يتحدث معنا حول النقد الذي تعرض له بعد طرح كتابه (خريف الغضب) في الأسواق، وما أحدثه من ضجة لدى القراء وما يتعرض له من انتقادات وتجاوزات.. واستمر الحديث مع الأستاذ حتى الوصول إلى كتاب حرب الثلاثين سنة (سنوات الغليان)، كان الحديث ممتعًا من الأستاذ الذي تجاوزت كتاباته المحلية والإقليمية لآفاق دولية وترجمت مقالاته لأغلب لغات العالم..
وأثناء حديثه الممتع قاطعه أحد المعاونين له بوجود اتصال هاتفي من تليفون السيارة الخاصة به، وبأدب جم استأذن الأستاذ للرد على المكالمة، وبعدها عاد الأستاذ وقد بدت عليه ملامح الحزن وجلس على مقعده داخل صالون الاستراحة، ثم نظر ناحيتى موجهًا الحديث لى قائلًا: أخطر جرنالك بأن السيدة "تحية كاظم" حرم الرئيس "عبد الناصر" توفيت الآن..
على الفور قمت بإرسال الخبر إلى الجريدة.. وفى يوم آخر تجدد اللقاء مع الأستاذ وتطرق الحديث حول صمته أمام كل من تجرأ على نقده ومهاجمته والتطاول عليه، فصمت الأستاذ برهة وابتسم قائلًا إنهم يرغبون أن يحصلوا على شرف الرد عليهم، ولكن هذا لن يحدث طالما في العمر بقية.. هذا هو القيمة والقامة الذي أعطى الصحافة معنى وقيمة، فارقنا بجسده فقط، ولكنه باق بيننا بمدرسته الصحفية المتميزة.