منتصر عمران يكتب: المنتحر ليس بكافر
انتشرت في الآؤنة الأخيرة ظاهرة الانتحار بين الشباب والفتيات أيضا فمنهم من يرمى نفسه أمام عجلات المترو والقطارات، ومنهم من يرمي نفسه من شاهق مثل برج القاهرة.. وكانت هذه الواقعة آخر هذه الحالات، وكانت لشاب طالب في كلية الهندسة.. كتب في رسالته التي تركها لأهله قبل انتحاره مبينا أن السبب وراء انتحاره أنه ليس قادر على مواصلة الدراسة في كلية الهندسة لصعوبتها!!
وإذا نظرنا إلى أسباب أصحاب حالات الانتحار نراها واهية للغاية، ويمكن عبورها أو حتى التعايش معها على أقل تقدير.. وهذا يبرهن على قلة الوازع الديني لدى أصحاب حالات الانتحار.. فلم تكن يوما في الماضي الأزمة المالية أو صعوبة الدراسة سببا مقبولا أو مبررا على أن يقدم الإنسان على قتل نفسه.
وللأسف، أصحاب القلوب المريضة من إعلاميي قنوات الإخوان والهاربين في الخارج، يستغلون مثل هذه الحالات ضد الدولة المصرية!! وكأن الدولة هي التي أجبرتهم على الانتحار، وهذا قمة المكايدة السياسية من قبل هؤلاء الذين اتخذوا من معاناة المواطنين وأخطائهم وسيلة للنيل من النظام والدولة في دعاية رخيصة لمنهجهم المعوج.. وباتوا لا يتورعون عن أي شيء يكون في مصلحتهم وضد وطنهم.
ونأتي إلى حكم الانتحار من الناحية الشرعية والذي يدور حول أن قاتل نفسه (المنتحر) ليس بكافر..
وهناك حديث يقول فيه رسول الله ﷺ: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين..
وهذا يدل على شدة الوعيد، وعيد من قتل نفسه، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر قتل نفسه، ولو اشتد به المرض، ولو اشتدت به الجروح يبتعد عن هذا، وليتق الله في ذلك.
أما قوله: خالدًا مخلدًا فيها أبدًا فهو عند العلماء على وجهين، أحدهما: أن هذا فيمن استحل ذلك، من استحل قتل نفسه يكون كافرًا مخلدًا في النار نعوذ بالله.
الأمر الثاني: أن هذا على العموم، ويكون هذا الخلود خلودًا مؤقتا ليس كخلود الكفار خالدًا مخلدًا فيها أبدًا يعني إلى النهاية التي حدها الله، بخلاف خلود الكفار، فإن خلودهم مستمر لا يخرج منها أبدًا (تفسير بن كثير).
وعليه طبعا لا يجوز تكفير المنتحر.. وهناك باب في صحيح البخاري ومسلم، على ما أتذكر، باب عدم تكفير المنتحر، وهناك أيضا واقعة المنتحر على عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، يرويها لنا أحد الصحابة، وهي عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَىٰ ذلِكَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، لِلَّذِي ذَخَرَ الله لِلأَنْصَارِ.. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْمَدِينَةِ. هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَاجْتَبووا الْمَدِينَةَ. فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ. فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ. فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ. وَرَآهُ مُغَطِّيا يَدَيْهِ. فَقَالَ لَهُ:
مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهجرَتي إِلَى نبيه. فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيا يَدَيْكَ؟ قَالَ قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ». رواه مسلم.
هذا يعني أنه بالدليل من سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.. على أن قاتل نفسه (المنتحر) ليس بكافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالمغفرة والرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعو لكافر بالمغفرة بشرط ألا يستحل هذا الفعل.. فهو تحت مشيئة ربه إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. هذا والله أعلى وأعلم.