اللهُ.. في عصْرِ العِلم "1"
العلمُ يقودُ العقولَ السليمة والقلوبَ المُطمئنة إلى سبيل الرشاد. والإسلامُ ليسَ في خصومةٍ مع العلم، وما أكثرَ الآياتِ التي تُعظِّمُ من شأن العِلم، وترفعُ قدرَ العلماء، فتارة يقولُ القرآنُ الكريمُ: "وقلْ ربِّ زدني عِلمًا"، وتارة يقولُ: "إنما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ".
الذين في قلوبهم مرضٌ من الملاحدة المصريين والعرب، يتخذون من العلم الذي لا يصنعونه، ولكنهم يقرؤون عنه فقط، سلاحًا لإثارة الجدل العقيم، ومطيَّةً لتشكيك المؤمنين في عقائدهم، أما الذين يُسهمون في حركة العلم ويصنعون تطورها، فيتضاعف إيمانُهم بالله الواحد القهار، وما أروعَ قولَ القرآن الكريم: "شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ، لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
في الوقت الذي ينشطُ فيه مثقفون ومُفكرون وكُتَّابٌ مصريون وعربٌ للترويج لأفكارٍ إلحاديةٍ وإعلان الحرب على جميع مظاهر الالتزام والتدين، بل ونَسفِ فكرةِ اتصال السماء بالأرض، نجد الغرب قد أنتج كتابًا مهمًا وهو: "اللهُ.. يتجلى في عصر العلم"، وهذا الكتابُ يجبُ أنْ يطلعَ عليه كلُّ من يتصدى للردِّ على المُلحدين، سواء من خلال المراكز والوحداتِ المُخصصة لذلك بالمؤسسات الدينية، أو عبرَ الفعاليات التي يتم تنظيمها لهذا الغرضِ، حتى تكونَ فاعلة ومؤثرة وكاشفة.
الكتابُ، الذي أعدَّهُ "كريسى موريسون"، وترجمه "محمود صالح الفلكى"، وقدَّمه وكتبَ مقدمته الدكتور "الدمرداش عبد المجيد سرحان"، وراجَعه الدكتور "محمد جمال الدين الفندى"، يتعاملُ مع حركة العلم المتنامية والمتغيرة، باعتبارها أدلة متجددة على إثبات أن لهذا الكون إلهًا حكيمًا، هو الذي خلقه، وهو الذي يُدبِّرُ له أمرَه، وليس العكس، كما يردد قليلو الحيلة ومعدومو الإيمان ومنزوعو العقل وذوو الضمائر الغائبة.
يقولُ الكتابُ: "إنَّ ما يريده السائلُ المُثقفُ عندما يسألُ عن حقيقة وجود إلهٍ لهذا الكون، لا بد أنْ يكونَ مواكبًا لأساليب ونتائج العلوم المتطورة والمتجددة"، مؤكدًا أنَّ "السائلَ يريدُ جوابًا يقومُ على استخدام المنطق السليم ويدعوه إلى الإيمان بربه إيمانًا يقومُ على الاقتناع لا على مجرد التسليم".
مؤلفُ الكتاب وجَّه سؤاله "الشائك/ المتجدد" إلى طائفةٍ من العلماء المتخصصين في جميع فروع العلوم: الكيمياء والفيزياء والأحياء والفَلك والرياضيات والطب..وغيرها.
وفى المقابل.. أجابَ هؤلاءِ العلماءُ بعقولٍ مُستنيرة على سؤال المؤلف، مُبينينَ الأسبابَ العِلمية التي تدعوهم إلى الإيمان بالله إيمانًا صادقًا، لا تنازعه الشكوكُ والأهواءُ، فأوضحوا كيف تدلُّهم قوانينُ "الديناميكا الحرارية"، على أنه لا بدَّ أنْ يكونَ لهذا الكون من "بداية"، فاذا كانَ للكون بداية، فلا بدَّ له من "مُبدئ"، من صفاته: العقلُ والإرادةُ واللانهاية.
وبحسب ما ورد في الكتاب، فقد أجمع العلماءُ على أنَّ "هذا الخالقَ، لا بدَّ أن يكون من طبيعة تُخالفُ طبيعة المادة التي تتكون من "ذرَّات"، تتألف بدورها من شحناتٍ أو طاقاتٍ لا يمكنُ، بحكم العلم، أن تكون أبدية أو أزلية، ومن ثمَّ فلا بدَّ أنْ يكونَ هذا الخالقُ غيرَ ماديٍّ وغيرَ كثيف، لابد أن يكونَ لطيفًا مُتناهيًا في اللُّطف، خبيرًا لا نهاية لخبرته، لا تدركُه الأبصارُ وهو يُدركُ الأبصارَ، وهو اللطيفُ الخبيرُ".
وكما جاء في الكتاب، فإنَّ العلماءَ المُتحدثين شددوا على أنه "إذا كنا نريدُ أنْ نصلَ إلى الله، فسبيلُنا إلى ذلك لا يكونُ بحواسِّنا التي لا تستطيعُ أن ترى إلا المادياتِ الكثيفة، واذا كنا نريد أن نلمسَ وجودَه، فإنَّ ذلك لا يمكنُ أنْ يتمَّ داخل المعامل أو في أنابيب الاختبار، أو باستخدام المناظر المُكبِّرة أو المُقرِّبة، وإنما باستخدام العنصر غير المادي فينا مثل: العقل والبصيرة. وعلى من يريدُ أن يدركَ آياتِ ذاته العَليَّة أن يرفع عينيه من الرُّغام، ويستخدم عقله في غير تعنُّت أو تعصُّب، ويتفكر في خلق السموات والأرض".
يقولُ العلماءُ، كما جاءَ بالكتاب نصًّا: "إن فروع العلم تثبتُ أنَّ هناك نظامًا مُعجزًا يسودُ هذا الكونَ، أساسُه القوانينُ والسُّننُ الكونية الثابتة التي لا تتغيرُ ولا تتبدلُ، والتي يعملُ العلماءُ جاهدين على كشفها والإحاطة بها، وقد بلغتْ كشوفنا من الدقة قدرًا يمكننا من التنبؤ بالكسوف والخسوف وغيرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنين"، مُتسائلينَ: فمَن الذي سنَّ هذه القوانين وأودعها كلَّ ذرة من ذرَّات الوجود، بل في كلِّ ما هو دونَ الذرَّة عند نشأتها الأولى؟ ومن الذي خلقَ كلَّ ذلك النظام والتوافُق والانسجام؟ من الذي صمَّمَ فأبدعَ وقدَّر فأحسنَ التقديرَ"؟.. وللحديثِ بقيةٌ إنْ شاءَ اللهُ..