تجربة انتحار فاشلة غيرت حياتها.. دينا المُحبَطة تنتصر على الاكتئاب
"ما ينفعش الإنسان يختزل حياته في لحظة.. لا حزن ولا فرح، الحياة بتتاخد على بعضها".. عبارة ألقت بها "دينا خليل" في إحدى صفحات مدونتها الورقية الصغيرة، تصف وبفلسفتها الخاصة اللحظة الحاسمة، والخيط الرفيع الذي يربط بين شخص ضاقت به الأرض وما عليها واللحظة التي يريد فيها أن ينهي حياته فوق هذه الأرض.
لم تكن مجرد كلمات عفوية تتراص بجوار بعضها، لكنها كانت منهجًا ودربًا تسير عليه كل صباح تستيقظ فيه وتذهب من مسكنها متجهة إلى "11 شارع المجد" معرضها الجديد الكائن في شارع كلية التربية الموسيقية بالزمالك، والذي تبيع فيه مصنوعات جلدية وأقمشة يدوية الصنع.
لتبدأ دينا بذلك كتابة السطور الأولى، في صفحة جديدة من حياتها، أزالت بها أثر الماضي وما فيه، وقضت معه على "دينا" المصابة بالاكتئاب والخوف المرضي من الحياة، والعازمة على إنهاء حياتها، رغبة في أن "ينتهي كل ألم. كل وجع بحس بيه". فتنجح دينا في أن تكون ضمن القلائل الذين هزموا الموت قبل أن يهزمهم.
قبل نحو خمس سنوات، انتقلت "دينا خليل" من مسقط رأسها في قرية عباس العقاد بمحافظة البحيرة، إلى القاهرة، للالتحاق بالجامعة، ودراسة علوم الكمبيوتر، ثم العمل في مجال الصحافة والإعلام تحقيقًا لحلم طفولي قديم. كانت دورة الحياة تسير في خطها الروتيني المعتاد بعد التخرج والبحث عن فرص العمل هنا وهناك، عملت دينا لفترة محررة صحفية في إحدى الصحف ومعدة في أحد البرامج الإذاعية، ثم تركت الصحافة وعملت بإحدى شركات التسويق، حتى أقبلت على عامها الخامس والعشرين، مشكلات عديدة وإحباطات لا تنتهي تعرضت لها دينا دفعتها للتفكير في الانتحار: "قرار الانتحار ده قرار بييجي في لحظة ضعف وبيكون وقتها مفيش تفكير خالص".
إخفاقات متتالية ومشكلات جراء العمل في مجالات عدة: "كنت بتصدم في كل مكان أروحه، الواقع مختلف عن اللي كنت بتخيله".. تطور الأمر منذ نحو عام لتكتشف دينا إصابتها باكتئاب حاد: "كان عندي مشكلات وأرق ومبنامش بالأيام، رحت للدكتور وبعد كذا جلسة اكتشفت إنه أنا راكمت مشكلات كثيرة ورا بعضها اتحلت، لكن مفرغتهاش من جوايا، كنت بكمل عادي، ما كنتش باخد فترة أنفصل وانعزل علشان أحمي نفسي، كنت بخزن لحد ما وصلت إنه أي حاجة مبقتش حاسة بمعناها، قبلها كمان كان حد صديقي مر بأزمة شديدة جدا اتصدمت أكثر.
اللحظة الحاسمة.. كيف استخدمت دينا أدوية الاكتئاب في إنهاء حياتها؟
انقطعت عن تناول الأدوية، طلبت من الطبيب أن يعالجها ببدائل عن الأدوية الكيميائية التي لا تجدي نفعًا، لكنها احتفظت بأقراص المهدئ التي توقفت عن تناولها، حتى حانت لحظة الانتحار التي لم تعد لها مسبقًا، كانت لحظة خاطفة من عمرها: "خدت كل شريط المنوم، وبعدين وفقت في آخر لحظة وقلت إيه اللي بعمله ده، جريت على الجيران شربوني لبن، ونزلت لوحدي عملت غسيل معدة في المستشفى"، وبهذه الخطوة طوت دينا صفحة من حياتها القديمة أو كادت تمزقها تمامًا.
باءت محاولة انتحار دينا بالفشل، وعادت للحياة مرة أخرى عملت في مؤسسة لرعاية للأطفال تملكها سيدة ألمانية: "أنا نفسي من زمان أعمل مدرسة للأطفال والتمويل كان الأزمة"، وبعد اكتسابها العديد من الخبرات في العمل الأهلي افتتحت مشروعها الخاص: "قررت أعمل مشروع لنفسي، بدأ بمكان في المنيل اسمه "مشكاة" بعد ما كنت بشتغل أون لاين فقط، أنا اشتغلت في أماكن ومجالات كثيرة جدا ما بين الرغبة في العمل بإحدى مدارس الأطفال أو صحفية أو دراسة المسرح، كنت باتصدم في كل مؤسسة أروحها، كنت بحلم بشيء وألاقي الواقع شيء تاني تماما، ومن هنا جات لي فكرة إني أفتح محل لبيع الورد وكمان معرض لبيع المنتجات اليدوية".
بعد أن كادت دينا تدرج اسمها ضمن قائمة الشباب المنتحرين والذين أصبحنا نستمع إلى قصصهم وحكاياهم بشكل شبه يومي، أعطت درسا لا ينسى في كيفية البحث عن حياة أخرى بل وخلقها من جديد، فإذا كانت كل الطرق قد تؤدي أحيانا إلى الانتحار، فثمة طريق جديد يمكنك أن تسير فيه مثلما سارت دينا.