المعايير قبل التغيير.. حركة المحافظين نموذجا !
أقر وأعترف منذ فترة التسعينيات أننى لم أعد أهتم كثيرا بمسألة التعديل أو التغيير الوزارى أو المحافظين، بعدما كنت أسعد جدا مع تباشير كل تغيير سيحدث من منطلق القادم أفضل، وبعودة إلى السبعينيات وخلال فترة "السادات"، كان له فلسفة في التغييرات التي تحدث، كانت نظريته متلخصة في أحمد هو طبق الأصل الحاج أحمد، وبالتالى لا فرق أن يقود الوزارة الدكتور "عبدالعزيز حجازى" أو الدكتور "محمد عبدالقادر حاتم" أو حتى اللواء "ممدوح سالم"..
فلا فرق بين رجل الاقتصاد ورجل الإعلام أو رجل الشرطة، فلماذا كان يغير؟
كان "السادات" يرى أن التغيير يخلق حالة من اهتمام المواطن وبالتالى يشغل الشارع بالذي ذهب والذي جاء، بما في ذلك من كثرة الإشاعات سواء قبل التغيير أو بعد التغيير، وهذه الإشاعات يمكنها أن تطول أي اسم بداية من الرئيس وحتى أصغر مسئول، وسار على نفس النهج في حكمه "حسنى مبارك"، عندما تولى رئاسة الوزراء في ستة سنوات ثلاثة الدكتور "فؤاد محيى الدين" والدكتور"على لطفى" والفريق "كمال حسن على" إذا لم تخونى ذاكرتى..
إلا أنه عدل عن هذا الفكر، فأعطى الدكتور "عاطف صدقى" فترة ربما لم يحصل عليها غيره، عشرة سنوات تقريبا، بعد ذلك كانت الأربع سنوات معدل متوسط لمن جاء بعده، السؤال: هل هؤلاء أصحاب فكر مختلف عن بعضهم البعض؟ لا أعتقد! الفرق الوحيد هو حجم التوغل من القطاع الخاص على السوق تنفيذا لسياسة الرأسمالية، وليتها تعتمد على العلم والدراسات وحالة المجتمع الحقيقية، والوعى بقيمة المشاريع التي تقدمها بدلا من إهدار المال فيها، ومشروع توشكى نموذجا.
بعد 25 يناير الوضع كان متوترا ومرتبكا، ولكن في السنوات الخمس الأخيرة، كانت البداية مع المهندس الإنشائى ابن المقاولين العرب المهندس "إبراهيم محلب" ثم مهندس البترول الدكتور شريف إسماعيل، وحاليا حتى كتابة هذه المقالة المهندس المعمارى الدكتور مصطفى مدبولى، وهو عدد كبير في فترة زمنية قصيرة، هل هناك فروق جوهرية بين هؤلاء؟
أعتقد لا يوجد فرق وإنما هناك تعليمات أو رؤية من قمة الهرم إلى مجلس الوزراء، وبالتالى عليه ومنذ منتصف السبعينيات تحول رئيس الوزراء إلى شخص بلا رؤية، هل قرأ أحدنا أن هناك مشروعا مقدما من أي وزير أو من رئيس الوزراء للنقاش مثلا قبل عرضها على الرئيس؟ هل هناك مسودة مشروع ناقشه مجلس النواب قبل عرضه على رئيس الجمهورية أو طلب رئيس الجمهورية رأى مجلس النواب؟ كل هذا أشبه بالخيالات أو الأحلام التي قد تصيبنا في اليقظة.
ولكن لدى بعض الملاحظات تثار بين المواطنين تارة وأخرى بين المتخصصين، أهمها هل من حق المحافظ وضع خطط ورؤية لتطوير محافظته ونقلها من وضع إلى آخر يرى أنه الأفضل، أم أنه مجرد منفذ لأجندة في انتظاره وكفى الله المؤمنين شر القتال؟
هذا مطلوب تحديده حتى نحاسب المحافظ، إذا كان وجوده فقط لتنفيذ خطة جاهزة فلا لوم عليه، ولا يمكن حسابه إلا في بطء أو سرعة الإنجاز في إطار الخطط الموضوعة سلفا، ولأن السنة المالية تبدأ في يوليو من كل عام وبالتالى ميزانية المحافظات اعتمدت في يوليو الماضى، مع تقديم خطط المحافظين السابقين، هذا فرضا أن هناك خططا فعليا، ولكن إذا كان مهمة المحافظ التخطيط والتطوير وإعادة صيغة الوضع للمحافظة فهل سنة تكفى لهذا، مع العلم أنه قادم على بقايا ميزانية يعلم الله ماذا تم فيها؟
فإن حكاية أن يتم تغيير بعد عام أو أقل أو أزيد قليلا يكون خطأ، البعض من المحافظين الذين أقيلوا جاؤا من التعديل الأخير في نهاية العام الماضى، وبالتالى هل لنا أن يكون هناك رؤية ومعايير لمنظومة المحافظين، أكيد نحلم أن تكون بالانتخاب مثل الدول المتقدمة سياسيا، وفى على الأقل في الوقت الحالى لابد من وضع رؤية تشمل الحقوق والواجبات، وبل المدة التي يتولى فيها المسئولية فلتكن عامين ويجدد له أو لا، يأتى في أي وقت وينهى عمله في أي وقت، وفى نفس الوقت نقول إن المحافظ هو رئيس الجمهورية في محافظته، كيف هذا وهو يده مغلول، جاء على بقايا ميزانية وخطط موضوعة سلفا، فكيف يعمل؟
ملاحظة أخرى أتمنى أن تنتهى نغمة تمكين الشباب أو تمكين المرأة أو...إلخ، هذه النغمة لا توجد إلا في المجتمعات المتخلفة، في الانتخابات الأخيرة الأمريكية كان المرشحون فوق السبعين، ولم يقل أحد أين الشباب؟ ولكن الأكفأ يقود، وإلا كيف أعاد الماليزيون مهاتير محمد وهو فوق 90 سنة، ميشيل عون تولى الرئاسة في لبنان وهو في 80 سنة، وفى نفس الوقت كان رئيس الوزراء الاشتراكى الإسباني الأسبق 42 سنة، المعيار الأكفأ، ولن أتحدث عن محاولة إرضاء الأحزاب باختيار نواب محافظين منهم.
كنا نعيب على الأجيال القديمة أنه دائما يتم الاستعانة بأهل الثقة بعيد عن العلماء الحاصلين على الدكتوراه والشهادات العلمية! أصبح كل ما يأتى اليوم يحمل شنطة شهادات ولكن للأسف بلا فائدة. يأتى من يأتى ولكن يبقى الحلم لبلدنا الحبيبة مصر أن تصبح في مقدمة دول العالم وهى مؤهلة لهذا شريطة أن يكون لنا رؤية لتحقيق هذا الحلم.
تحيا بعرق الفلاحين والعمال..
تحيا مصر بدم شهدائها الأبرار.. تحيا مصر!