30 يوما في الصين.. من هنا لهناك
ترشيح من قيادات الإذاعة، تتبعه مقابلة شخصية لاختيار المؤهلين للسفر في مهمة إذاعية، هدفها تبادل الخبرات مع زملاء إذاعيين صينيين، ضمن وفد إعلامي مصري سيتكون من ثمانية إذاعيين بدعوة مشكورة من دولة الصين. وبعد أسئلة في المعلومات العامة واللغة الإنجليزية نلنا قبول لجنة الممتحنين والحمد لله.
أيام قليلة تتبقى قبل الموعد المحدد للسفر، الأمر يتطلب سرعة الإعداد من تجهيز ملابس ثقيلة تناسب المناخ الشتوي والذي قد يصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة تحت الصفر. الأمر يستلزم أيضا قراءة سريعة عن الصين، تاريخها السياسي، قيمتها الاقتصادية حاليا، أهم معالمها ورموزها.
طول المدة الزمنية يفرض علينا أن نبادر بتسجيل حلقات من برامجنا حتى لا نفقد جمهور مستمعينا من متابعي برامجنا الإذاعية خلال تلك المدة. التجربة تحفزنا أن نبحث عن واحد أو أكثر من الخبراء أو الباحثين في الشأن الصيني لعمل حلقة من أحد البرامج تتحدث عن العرب، ولماذا تتجه أعينهم ورحلاتهم نحو الغرب -الذي لم يأتنا منه يوما ما يسر القلب– في حين أنهم لا يكترثون بالشرق إلا في أضيق الحدود، رغم ما حققه من تقدم على كافة المستويات، وفي القلب من هذا الشرق الأقصى يقع كوكب اليابان الشقيق وكذلك مقصد رحلتنا ذلك التنين الصيني العملاق.
والحكاية تفرض أيضا البحث عن بعض الأصدقاء الذين سبقونا بالزيارة للسؤال عن هذا المجهول، الذي سنقضي به ثلاثين يوما كاملة، وكانت نصائحهم تحمل المفاجآت:
"عليك بأخذ جل الوزن المسموح لك مأكولات يمكن تخزينها لمدة الشهر، دون أن تتلف. عليك أن تسعى لتحويل مبلغ محترم إلى يوانات، حيث لن تستطيع بسهولة تحويل لا الجنيه ولا حتى الدولار، إلا في بعض البنوك الصينية، وهي ستتقاضى أربعين يوان (نحو مائة جنيه مصري) مقابل كل عملية تحويل عملة، قل المبلغ المحول أو كثر".
عليك أيضا أن تحترس من دخول مراكز الساونا أو ما شابه، فالخارج من هذه المراكز –كما حذروني– ليس كالداخل إليها، وهي النصيحة التي عملت بها دون نقاش. والأهم أن يكون في خطة الاستعداد لتلك الرحلة أن تحذر من المأكولات فمعظمها غير محلل في شريعتنا، فأكثر من اصطحاب المخبوزات والجبن فهي اختراع غير مألوف على مائدة الصينيين لا في الإفطار ولا حتى في العشاء.
وتتواصل جملة التحذيرات والتوجيهات من الأصدقاء المصريين الذين ذهب معظمهم إلى مدينة "كوانز"، والتي تجذب معظم المسافرين المصريين، وخاصة من التجار حيث جعلوها مقصدهم الأول في الصين، إذ تتاح لهم فرص كبيرة لاختيار ما يناسب السوق المصري من واردات على كل شكل ولون.
تهيأنا للسفر، وفي الطريق من بيتك إلى مطار القاهرة تدور الأفكار في رأسك حول هذا البلد الذي تفصلك عنه ساعات قد تتجاوز العشر، في رحلة طيران ممتدة بدون توقف إلا في محطة الوصول النهائية مطار بيجينج "بكين" الدولي. والطرح الرئيسي الذي سيشغل تفكيرك بعد كل ما قرأت وسمعت عن الصين هو: أين كانوا ونحن معهم؟ وإلى أين حلقوا ولماذا قبعنا نحن حيث كنا؟
تحاول خلال رحلتك إلى المطار أن تفكر كيف سأقضي هذه الساعات الطويلة في مقعدي على الطائرة وخاصة إن كنت من أصحاب أمراض العمود الفقري، ولا تحتمل في الظروف العادية أن تجلس ولا أن تقف أكثر من ساعتين أو ثلاث على الأكثر.
لا يمنع حين تصل إلى المطار أن يسألك ضابط الجوازات سؤالا أظنه أصبح مكررا عندهم: "والباشا رايح يستورد لنا إيه من الصين إن شاء الله؟" فتلفت انتباهه لإعادة النظر إلى التأشيرة الموجودة في جواز السفر بين يديه والتي تثبت أنها مجرد مهمة رسمية ضمن وفد مصري. فيبادر بختم الجواز كرد فعل سريع على السؤال الذي لم يأت في موضعه.
وعلى الطائرة العملاقة للشركة الوطنية يترسخ لديك شعور بالفخر تجاه مؤسسة وطنية حكومية تجذب إليها ركابا من جنسيات شتى اختاروها للسفر إلى الصين، بما فيهم الصينيون أنفسهم، ربما لكفاءة طاقم الضيافة، أو لمهارة الطيارين التي تتضح عند الإقلاع وعند الهبوط، وربما يدخل في الأمر حسابات اقتصادية للراكب لا أستطيع أن أفتي فيها. المهم أنك لا تشعر بطول الرحلة إذ تمر تلك الساعات بين كتاب يقرأ، أو غفوة تنتابك، أو فيلم تشاهده، أو وجبات تقدم لك تمثل آخر علاقة لك بالطعام المصري الذي تعرفه وستشتهيه حرفيا لمدة شهر كامل.
عند الوصول إلى المطار وبعد إنهاء الإجراءات التي تصطدم خلالها بضابط الجوازات الصيني، وهو أول شخص لا يفهمك لا بالعربي ولا بالإنجليزي، ويدور لأول مرة حوار بينك وبين شخص صيني فقط بلغة الإشارة، وتلك هي السمة الغالبة التي ستلازمك طوال رحلتك العجيبة وعلى مدار الثلاثين يوما في الصين.