رئيس التحرير
عصام كامل

صلاح حافظ يكتب: لعنة التقدم

صلاح حافظ
صلاح حافظ

في مجلة روز اليوسف عام 1976 كتب الكاتب الصحفي صلاح حافظ مقالا قال فيه:

أحيانا يصبح التقدم لعنة والدليل على هذا ما أصاب الناس عندما تقدمت علوم الطب، فهم أولا لم يعودوا يحرصون على صحتهم اعتمادا على أن الطب الحديث الساحر سينقذهم عند اللزوم.


وبسبب التقدم الطبى تحولت وظائف عادية كالولادة إلى حالة مرضية لابد لها من طبيب، فالمرأة العصرية لم تعد تتصور أن تحمل وتلد الا تحت إشراف طبى مستمر، وفى مناخ من القلق والفحوص والادوية بالنفقات الباهظة وكأن الجنين حالة مرضية يجب أن تعلن لها حالة الطوارئ في محيط البيت والاسرة وجيران الجيران.

وبسبب التقدم الطبى تحول الدواء من وسيلة في يد الطبيب إلى صناعة مالية ضخمة تستثمر فيها الملايين وتحكمها قوانين الربح والخسارة وتخضع لما يفيد أصحاب الملايين لاضحايا الأمراض.

وأصبح العالم الآن يزخر بمئات الملايين من ضحايا الأدوية المنبهة والمنومة والمهدئة والمقوية فتحول الدواء إلى وباء وأصبح مطلوبا له دواء.

هذه اللعنات طالب نقيب الأطباء حمدى السيد في حديث تليفزيونى بإثارتها على المستوى الطبى كله..لكن هناك لعنة رابعة متربة على التقدم الطبى أيضا هي لعنة يعانيها الأطباء أنفسهم بسبب السرعة الخارقة التي تتطور بها علوم الطب، فلم يعد في العالم كله طبيب جديد قد تخرج امس مثلا لكن بعض معلوماته ثبت اليوم انها خاطئة ولم يخطره أحد.

وقال لي أستاذ فرنسي متخصص في تطوير معلومات الأطباء أن المسافة التي قطعها الطب في الاعوام الخمسة الماضية أكبر من المسافة التي قطعها منذ إنشائه.

ولكن الواقع أن علوم الطب جنين ما زالت تتشكل وأن الطبيب الحق أشبه برجل يستمع إلى نشرات أخبار صباحية ومسائية من عدد من المحطات لا حصر لها.. ولكن أين هي هذه المحطات ومن أين للطبيب المشغول بمرضاه الوقت الكافى لمتابعتها.

وقال الأستاذ الفرنسى هذه هي قضية العصر وما من بلد في العالم إلا ويشعر بها ويبتكر الوسائل لحلها، ففى فرنسا مثلا يوجد مركز لمواصلة تعليم الأطباء، وفى أمريكا تجربة أخرى مثيرة تتلخص في تزويد عقل الكترونى بكل معلومة جديدة في حقل الطب ثم السماح للطبيب نظير مبلغ معين باستشارته.

أدهشتنى هذه الإجابة فالرجل الذي يحدثنى هو الدكتور لويس مورور رئيس المركز الفرنسى لمواصلة تعليم الأطباء ورئيس الموسوعة الطبية الجراحية التي تصدر في باريس منذ عام 1930.

وقلت له أفهم من هذا أنكم تقومون بعمل لا جدوى منه، قال: ليس هناك عمل لا جدوى منه وأن مواصلة تعليم الأطباء وتزويدهم بمراجع موضوعية متجددة يضمن لهم على الأقل عدم التخلف بمسافة كبيرة أما مشكلة مواكبة العصر لحظة بلحظة فلا تزال تمثل تحديا بالغ الصعوبة وستزداد صعوبتها مع تزايد السرعة التي يتقدم بها المعرفة الطبية في عصرنا، والحل أنه لا يملك تقديم الحل شخص واحد ولا دولة واحدة، فهى قضية تحتاج إلى تكاتف العالم كله وقد قدمت الىمصر لكى اطلع على تجربتكم في حقل مواصلة تعليم الأطباء.

قلت له القضية الأولى عند وزير الصحة إبراهيم بدران.. وأضاف أن القضية ليست فرنسية وليست مصرية، وان التقدم السريع في علوم الطب جعلها لعنة عالمية.
الجريدة الرسمية