لن نصدقهم!
لن نصدقهم حتى لو أقسموا بأغلظ الإيمان بأنهم يسعون لصالح الوطن، لا لمصالحهم الشخصية. تاريخهم الأسود يكذب هذا الادعاء! وتجربتنا الطويلة معهم تثبت قدراتهم الفائقة على تغيير مبادئهم، بنفس سرعة تغيير ملابسهم الداخلية.
يتحمسون لكل حاكم مادام أنه يجلس على كرسى الحكم، يستبعدون عنه صفاته البشرية، ويكادون يألهونه من دون الله، يصفون كل خطواته بأنها مباركة، ولولا أنه اتخذها لكان مصير البلاد والعباد الهلاك المؤكد، وسرعان ما تتبدل تلك النغمة بمجرد رحيله، الذي يوصف بأنه نعمة من اختيار الخالق لإنقاذ البلاد من شروره، وتتحول الدفة إلى القادم الجديد، لتخلع عليه نفس الصفات والقدرات التي منحت لسابقه، عند قدومه، وطوال فترة بقائه في سدة الحكم.
اكتشفوا فجأة أن الإعلام المصرى فاشل، وأن المشاهدين والقراء عزفوا عن متابعته، أو أن نسب المشاهدة أو قراءة الصحف تتدهور إلى درجة غير مسبوقة. التليفزيون المصرى الذي كان يجذب ملايين المشاهدين في مصر والوطن العربى فقد معظم الذين كانوا يتابعونه، والصحف التي كانت توزع بالملايين لا يتجاوز توزيعها المئات، وربما أقل من ذلك في بعض الإصدارات.
أدركوا أخيرا أن استبعاد الرأى الآخر والتضييق على المعارضة لا يقل خطرا على مصر من الدول والجماعات المعادية، لأنها غرست في أعماق المواطنين مشاعر الشك وعدم التصديق في كل ما يصدر عن الجهات الرسمية. اعترفوا بأن الأوامر كانت تردهم بعدم ذكر أسماء الوزراء في الأخبار الصحفية التي تتعلق بوزاراتهم، والاكتفاء بعرض الإنجازات وحدها، ما أفقد ثقة المواطن في إعلام بلاده.
ما أعجز عن فهمه أن الذين دافعوا طوال السنوات السابقة عن تلك السياسات الإعلامية الفاشلة، وبرروها بأن مصر تخوض معركة تفرض تلك السياسات، هم أنفسهم الذين يدينون هذا السلوك، ويطالبون بفتح النوافذ والأبواب.. لن نصدقهم!