3 اقتراحات لمأزق الإيجارات القديمة
"عبد الناصر" انحاز للمستأجرين فخفض لهم قيمة الإيجار ٣ مرات، و"السادات" جعل عقد إيجارهم أبديا، و"مبارك" انتصر للملاك فألغى تأبيد العقد وحرر العلاقة مع المستأجرين، ولكن بدون أثر رجعي، وبين الانحياز والتأبيد والانتصار ضاع في منتصف المسافة حق فئة الملاك أصحاب العمارات التي تم إيجارها منذ الأربعينيات حتى منتصف التسعينيات، هؤلاء خسفت بهم القوانين الثلاثة الأرض، وعندما تفتحت لهم أبواب الأمل في إصدار قانون يرفع الظلم الواقع عليهم، ارتعشت يد الدولة خوفا من رد الفعل وتحسبت من تداعياته المجتمعية.
حكاية قانون الإيجار القديم تبدأ من عام 1962 عندما أصدره الرئيس "عبد الناصر" بصيغة جعلت البعض يصف مواده بأنها توريث للمستأجر، ثم أصدر قانونا آخر بخفض القيمة الإيجارية 3 مرات إلى 15٪ ثم 15٪ ثم 35٪ انطلاقا من انحيازه للغلابة على حساب ملاك العقارات الأثرياء آنذاك.
واستمر انحياز الدولة للمستأجرين في زمن الرئيس "السادات" عندما صدر القانون 136 لعام 81، ويقضى بامتداد عقود إيجار العقارات مدى الحياة، وعدم انتهاء عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه للعين إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا مقيمين معه حتى الوفاة أو الترك، وهو القانون الذي قضت المحكمة الدستورية في مايو 2018 بعدم دستورية فقرة من إحدى مواده، والتي تنص على أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية "الشركات والمؤسسات والهيئات" لاستعمالها في غير الغرض السكني.
لكن جاء نظام "مبارك" ليصحح الوضع وينحاز للملاك الذين شيدوا عمارات بعد عام 1996 على حساب المستأجرين هذه المرة، لكنه تجاهل الملاك ضحايا قانونى الرئيسين السابقين له ولم يصحح أوضاعهم بعد أن أصبحت حصيلة إيجارات عماراتهم لا تتجاوز بضعة جنيهات شهريا، فلا يستطيعون زيادة القيمة الإيجارية ولا استرداد شققهم المؤجرة..
في عام 1996 أصدر قانون تحرير العلاقة بين الطرفين والذي استحدث نظام العقود بمدة، وألغى نظام العقد الذي كان يؤيد بقاء المستأجر بالشقة بل ويورثها لأبنائه، لكن نظام "مبارك" لم يرفع الظلم الواقع على الملاك الذين قاموا بتأجير وحداتهم السكنية بملاليم والى الأبد خلال الفترة من الأربعينيات والخمسينيات وحتى عام 1996 ولا يملكون القدرة على إجلاء المستأجرين.
لكن الآية الآن أصبحت مقلوبة فيما يتعلق بالأسباب التي من أجلها أصدر "عبد الناصر" و"السادات" القانون، فقد دار الزمن دورته وأصبح غالبية المستأجرين من الأثرياء، بينما صار الملاك الذين كانو أثرياء في الستينيات من الفقراء بل من المعدمين، وحان الوقت لتصحيح الوضع وإصدار القانون الجديد دون تردد أو خوف من تداعياته المجتمعية، وأتصور أن إقرار مشروع القانون أصبح أمرا واجبا خلال دور انعقاد البرلمان الحالى "الخامس والأخير".
أتفهم لماذا يخشى البرلمان إقرار القانون "اللغم" الذي يتضمن ضررين للمستأجرين وهما مضاعفة قيمة الإيجار والطرد، ويكفى أن نرى حجم الخلافات و"الخناقات" و"المشادات" التي حدثت بين أعضاء البرلمان ذاته أثناء مناقشته للشق الخاص بإيجار المحال، على خلفية نفس المبدأ الذي تحدثت عنه وهو أن "للحقيقة في قانون العلاقة بين المالك والمستأجر وجهان".
أدرك أن هذا القانون سيفتح طاقات غضب الأغلبية وهم المستأجرين، لكن بدلا من تجميده منذ ربع قرن، فإن لدى 3 اقتراحات للخروج من مأزق هذا القانون وإصداره بأقل قدر من الضرر للطرفين، وإن كنت أشك في أن هناك من المسئولين من يقرأ ويسمع في هذا الزمان.
الاقتراح الأول: أن تتسلم الدولة ملف هذا القانون وتديره بنفس أسلوب إدارتها لملف بطاقات التموين أو شقق الإسكان الاجتماعي، خصوصا بعد أن أصبح لديها قاعدة بيانات عن دخول وممتلكات المواطنين من عقارات وسيارات واستهلاك فواتير الكهرباء ومستواهم الاقتصادى والاجتماعى وغيرها، وقاعدة البيانات هذه ستحقق العدالة الكاملة بحيث يتم إخراج المستأجرين الأغنياء الذين يملكون شققا أو عقارات أو تزيد دخولهم عن خمسة آلاف جنيه شهريا، ويتم الإبقاء على المستأجرين الفقراء، ونفس القاعدة تطبق على الملاك، فالمالك الغنى لا يطرد المستأجر الفقير، وهكذا، بل ويتم فتح باب اقرارات الذمة المالية والتظلمات وتشكيل لجان للنظر في كل حالة على حده.
الاقتراح الثانى: يأخذ بالعرف السائد ويحقق منفعة متبادلة ويرضى الطرفين ويأخذ بشعار "شيل دا من دا.. يرتاح دا عن دا"، ويتجنب كابوس الطرد ويتفق عليه الغالبية العظمى، وهو إما أن يدفع المستأجر ثلثي قيمة الشقة بالقيمة السوقية لها -وتحددها لجان هندسية تابعة للدولة- مقابل تملكه لها، أو أن يحصل المستأجر على ثلث ثمن الشقة من المالك مقابل تنازله كليا عنها، وهو اقتراح أراه وجيها وعادلا ويتماهى مع منطق العرض والطلب ولغة السوق ويفض الاشتباك ولا يظلم أحد الطرفين.
الاقتراح الثالث: وهو إذا كان الأمر قد قضى ووصل مشروع القانون لمرحلة اللاعودة ولا مجال لتراجع الدولة عنه، أقترح مضاعفة القيمة الإيجارية ولو لـ 20 ضعفا مع زيادة الإيجار سنويا بنسب تصاعدية تعوض الملاك وتحسن أوضاعهم المالية وترد لهم جزءا من حقوقهم المهدرة تراكميا عبر سنوات طويلة، لكننى ضد بند طرد المستأجرين الذي ينص عليه مشروع القانون المقترح، حتى لو كان هذا الطرد سيتم تنفيذه بعد مدة أو مهلة انتقالية عشر سنوات.