رئيس التحرير
عصام كامل

مكتبة أبلة هند.. غرفة تشع نورا لأطفال "عرب بني واصل"

فيتو

في تمام الواحدة ظهر كل يوم جمعة، وعلى مدار أربعة أشهر حتى هذه اللحظة التي تكتب بها هذه السطور، ثمة منزل في قرية "عرب بني واصل" إحدى قرى مركز "ساقلتة" بمحافظة سوهاج، وفي هذا التوقيت تحديدا كل أسبوع يتدافع نحوه العشرات من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة وحتى الثانية عشرة عاما، قاصدين مكتبة "السيدة هند عبد السلام"، خريجة كلية الآداب قسم علم النفس بجامعة سوهاج وزوجها المدرس إبراهيم أبو شامة، حيث تستقر مئات الكتب في إحدى غرف الشقة، متاحة لكل زائر أراد الاطلاع أو الاستماع لحكاية جديدة من حكايات هند وكتبها، "أنا خصصت غرفة من بيتي وجمعت كل الكتب اللي قرأتها في حياتي وعملت مكتبة متواضعة كل أطفال القرية بيحضروا ليها يقرأوا ويطلعوا".



منذ نحو أربع سنوات تزوجت هند ابنة محافظة الإسكندرية من إبراهيم، وعاشا معا في منزل العائلة بسوهاج، وفي شقة الزوجية، ولأن هند تعلقت بالقراءة منذ كانت في الرابعة من عمرها، ليصبح شراء الكتب وجمعها هوايتها التي لم تنقطع خلال الـ 24 سنة الماضية، وجدت هند وزوجها مئات الكتب مكدسة فوق بعضها في إحدى زوايا الشقة، "كانت كتب المغامرون الخمسة وسلسلة رجل المستحيل وروايات عبير وروايات عالمية وكتب سياسية وسلسلة كنوز المعرفة وغيرهم، قلت لزوجي ليه منطلعش الكتب دي وأطفال البيت تستفيد منها!"، وقد كان فبمساعدة أطفال المنزل من أبناء شقيقات وأشقاء الزوج، تم تثبيت بعض الأرفف في جنبات حائط الغرفة التي وقع عليها الاختيار لتكون مكتبة السيدة هند وزوجها.


باتت الغرفة مؤثثة بالمقاعد والسجاد وبعض الكراسي كحال أي غرفة ببيت مصري بسيط، إلا أن الجدران الأربعة كانت قد تحولت تماما لأرفف مكتبة في زاوية تتراص الروايات العربية والعالمية، وفي الأخرى المجموعات القصصية وكتب التاريخ والسياسة، وفي الركن الثالث كتب المغامرات والكتب الخاصة بعلوم الطبيعة والبيئة: "كان غرضي الأساسي إن الأطفال عندنا في البيت يسيبوا الموبايلات خاصة اللي سنهم فوق 12 سنة، ويقرأوا ويستمدوا ثقافتهم ومعرفتهم من القراءة زينا زمان"، إلا أن ابنة شقيق زوجي اقترحت على عمها أن تعمم الفكرة لتكون الكتب متوافرة لكافة أبناء قرية بني واصل وتكون أول قرية في المحافظة ومحافظات الصعيد توفر مكتبة صغيرة بجهود ذاتية لأطفالها، وبالفعل البنت عرفت الطلبة في المدرسة، وأول جمعة بعدها لقيتهم حضروا نحو 20 بنت وولد من ابتدائي وإعدادي، وقررنا تكون مقابلتنا كل جمعة ساعتين أو ثلاث ساعات حسب موضوع النقاش".


هند السيدة الثلاثينية التي تعلقت بالقراءة في أول عهدها بدروب الحياة فكانت تقتسم من مصروفها اليومي لشراء كتاب أو رواية أو حتى عدد لإحدى الصحف، أرادت أن تثري عقول الأطفال بقضايا هامة يناقشها الكتاب أو الرواية قد لا يستوعبها سنهم الصغير خاصة أبناء المرحلة الابتدائية، فنجدها تجلس في منتصف الغرفة، بينما يلتف الأطفال حولها تمسك بأحد الكتب أو الروايات تقرأ عليهم موضوع كتاب اليوم.


تكشف هند تفاصيل ما يجرى في جلسات النقاش :"بتتنوع موضوعات النقاش ما بين العلوم والكواكب وحركتها، أو المجرات وحركة النجوم، وأحيانا أدب ومغامرات، وكنت بعمل مسابقة في نهاية اللقاء واللي يجاوب صح عن أسئلتي أعطيه هدايا رمزية، كنت حابة أشجعهم على القراءة وأخليهم يبلغوا أصحابهم وييجوا والنشاط يتسع، أنا كل همي ورسالتي من وراء هذا المشروع إن كل طفل في القرية، يستمد ثقافته من الكتب ويسيب الموبايل من إيده والنت".



تتمنى هند أن تعمم الفكرة في كافة أرجاء مصر: "نفسي كل بيت فيه كتب أو مكتبة حتى لو بسيطة يفتحها ويخلي كل طالب يقرأ ويتثقف، كفاية نت وموبايلات وثقافة مشوهة، نفسنا نرجع لعصر الكتب مرة أخرى، وياريت يكون في كل قرية من قرى مصر مكتبة رسمية ترعاها الدولة وتكون مخصصة للأطفال في أعمارهم المختلفة".
الجريدة الرسمية