في التدريب والتخصص (١)
أثارت تصريحات مسئولين في وزارة الصحة حول تغيير نظام تدريب الأطباء جدلا كبيرا في الأسابيع الأخيرة. وكالعادة في مصر الجدل لم يكن فنيا أو علميا! لم يكن نقاشا بين خبراء في أنظمة التدريب في الدول المرجعية أو حتى طرحا عاما لمشروع إصلاحى بتمويل كافى وجدول زمنى مناسب لتغيير نظام التدريب الطبى في مصر.
النقاش وكالعادة كان نقاشا سياسيا فبمجرد نقد التصريحات "غير الواقعية" تحزب المهتمون إلى فئتين معارضين وموالين.
المعارضون دعموا الآراء التي تنتقد محاولة وزارة الصحة السيطرة على التدريب الطبى، لتكون هي الخصم والحكم، وتضمن عدم تحمل مسئولية أو محاسبة! فالوزارة مسئولة عن حل مشكلة هجرة الأطباء داخليا وخارجيا ورفضهم العمل في المستشفيات العامة بصفة عامة والوحدات التابعة لوزارة الصحة بصفة خاصة، ولأسباب معروفة وقتلت بحثا..
وهى الرواتب وساعات العمل والاعتداءات والمعاشات والعلاج والمسئولية الطبية. وبدلا من تحمل المسئولية واليحث عن حلول أو حتى مناقشة ما يطرحه بعض الإصلاحيين من مقترحات كان الهروب هو الاختيار، تارة بإدعاء أن الحل زيادة أعداد المقبولين في كليات الطب رغم أن هذا يؤدى إلى مزيد من التدهور في التعليم الطبى المترنح أصلا، ثم كان مقترح توزيع الخريجين الجدد دون تدريب أو خبرة أو إشراف على المستشفيات العامة لإدعاء سد العجز.
المفاجأة كانت عدم اهتمام المجتمع بالموضوع، رغم أنه يهدد حياة المواطنين اعتقادا أنها مشكلة تخص الأطباء. الإعلام كعادته مؤخرا لا يهتم بقضايا أساسية أو محورية أو يرعى نقاشا موضوعيا حقيقيا حول المشكلة، بل كانت الصحف والبرامج ترفض فتح الموضوع، ولولا اثارة الموضوع بقوة على وسائل التواصل الإجتماعى ورفض غالبية الأطباء الشباب للنظام الجديد وخروج تصريحات دفاعية من وزارة الصحة فبدأ الإعلام في الإشارة على استحياء للرأى الآخر.
المفاجأة الثالثة والخطيرة هي خروج آراء مرحبه من أساتذة جامعييين أو أطباء من نوع نرحب أو ما المشكلة في أن نجرب أو دعوا الشباب يتعلم ويحصل على شهادة، مما يظهر أنهم لم يطلعوا على نظم التدريب أو حتى نظم العمل بالمستشفيات.
وحتى نقرب للقارئ الموضوع نتخيل أن لدينا غرفة عمليات وهى مكان التدريب الأساسي في التخصصات الجراحية، فغرفة العمليات الواحدة تسمح بوجود جراحين اثنين وثلاثة من المتدربين واخصائيين للتخدير واثنين من المتدربين للتخدير.
ولابد لكل من هؤلاء أن يشارك في عدد محدد من الإجراءات الجراحية سنويا حتى يحتفظ الأخصائيون بمهاراتهم الأساسية ويستطيعوا استيفاء متطلبات تجديد ترخيص مزاولة المهنة، وحتى يستطيع المتدربون المشاركة بالمعدل المطلوب المحدد والمستهدف في البرنامج التدريبى، أي أن توافر الأدوات والأجهزة والمستلزمات والأدوية هو من أهم العوامل التي تحدد العدد الكلى للإجراءات الجراحية الممكنة سنويا، وتؤثر بشدة على العمل والتدريب..
ونحن نعلم كم المشكلات التي تواجه توفير كل هذا حاليا بسبب مشكلة نقص التمويل.
ما يحدث حاليا في مصر هو أننا ليس لدينا أي ربط بين البنية التحتية والقوى البشرية، ومن ذلك القول أن لدينا نقص في الأطباء في مصر رغم أن لدينا مستشفيات بها ١٠ أضعاف القوة المطلوبة بالنسبة للبنبة التحتية في بعض التخصصات، نعم لدينا نقص في بعض الأماكن وبعض التخصصات، لكن لدينا تكدس كبير في أماكن أخرى وتخصصات أخرى.
وحتى الآن لا توجد محاولة بطريقة علمية لتحديد المطلوب والمقبول في كل وحدة، والتعامل مع التشوهات في الهيكل التنظيمى كما نصت المادة التاسعة من قانون ٨١ لسنة ٢٠١٦ والمشهور باسم "قانون الخدمة المدنية"، والذي لم يطبق منه إلا منع زيادة الأجور وفصل المتغيبين!
نكمل في المقال القادم
--