الوضع الدستوري المرتبك للبرلمان المقبل
نحن أمام معضلة دستورية حقيقية تسبب فيها ثلاثة أمور، أولًا: إنه لا يوجد موعد ثابت دستوريًا لانعقاد البرلمان، ولكن إذا عدنا إلى آخر ٣ أو ٤ تشكيلات للبرلمان سنجد أن برلمان عام ٢٠٠٥ عقد جلسته البرلمانية في ١٧ ديسمبر، وبرلمان ٢٠١٠ عقد جلسته الافتتاحية في ١٣ ديسمبر، وبرلمان ٢٠١٢ عقد جلسته الافتتاحية في ٢٣ يناير، وبرلمان ٢٠١٦ عقد جلسته الافتتاحية في ١٠ يناير..
وبالتالي فهناك مشكلة تتمثل في أن الدستور لا ينص على تحديد موعد ثابت لبدء دورته البرلمانية، ثم هناك مشكلة في أن النص الدستوري احتوى على عدد من المشكلات الكارثية التي تسبب فيها طبيعة تشكيل لجنة الـ٥٠، التي غلب عليها "التكنوقراط" من الذين ليس لديهم الخبرات أو الكفاءات السياسة، التي تجعله يتمكن من فك شفرات العمل للمجالس الشعبية المنتخبة..
ثم الأغلبية البرلمانية التي انفردت دون حوار مجتمعي مسبق بتحديد المواد التي تستحق التعديل في دستور ٢٠١٤، ومنها تجاهل تعديل المواد رقم ١٠٦ و١١٥ من الدستور، وواقع الحال يقول إنه بالفعل هناك مشكلتان كل مشكلة منهما تؤدي إلى مأزق دستوري..
الأولى: إن مدة عضوية مجلس النواب طبقًا للمادة ١٠٦ تصبح ٥ سنوات ميلادية، تبدأ من أول تاريخ اجتماع له والذي كان في ١٠ يناير؛ وبالتالي فإن مدة البرلمان الـ٥ سنوات تنتهي في يوم ٩ يناير عام ٢٠٢١، وتجرى الانتخابات في اليوم الـ٦٠ يوما السابقة على انتهاء دورته، على أنه من المفترض أن تبدأ الانتخابات من ٩ نوفمبر ٢٠٢٠ حتى ٩ يناير ٢٠٢١.
والمشكلة هنا أن من وضع هذا النص لم يلتفت إلى أن نظام الانتخابات متعدد المراحل وهو الذي تعمل به مصر استغرق ٩٢ يوما في الانتخابات السابقة وليس ٦٠ يوما، وبالتالي ٦٠ يومًا مدة يستحيل أن تجرى بها عملية انتخابية متعددة المراحل، ولذلك وجب إضافة شهر إضافي على المدة.
والأزمة الثانية: تتمثل في أن المادة ١١٥ تنص على أن مجلس النواب يبدأ دور انعقاده السنوي قبل يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر من كل عام، وإذا لم يقم رئيس الجمهورية بدعوته، فيدعى من تلقاء نفسه، وفي دستور ٧١ وهو الدستور الأسبق، فهذه المادة تقر أن ذلك في يوم الخميس الثاني من شهر نوفمبر، ولو أن النص ظل هكذا ولم تتدخل المُحاصصة والأهواء عند تشكيل الدستور فما وجد ما نتحدث عنه الآن من مأزق دستوري.
المشكلة الآن أنه إذا لم يدع يوم ٩ نوفمبر وهو تاريخ بدأ الانتخابات طبقًا إلى نص الدستور، دور الانعقاد الأول وهو يبدأ من شهر أكتوبر، والذي بالمناسبة سيوافق يوم ١ أكتوبر إذا لم يدعو رئيس الجمهورية المجلس، فالمجلس يدعو نفسه تلقائيًا للانعقاد، وفي حالة إذا لم ينعقد سيترك ذلك فراغًا تشريعيًا، لأنه لا يجوز لرئيس الدولة أن يتخذ قرارات لها قوة القانون في غياب البرلمان، لأن الغياب هنا أصبح غير دستوري أما في حالة إذا تم استدعاء المجلس في يوم ١ أكتوبر للانعقاد، فالمادة ١١٥ تنص على أن دور الانعقاد يستمر لمدة ٩ أشهر على الأقل، وبالتالي لا يجوز إحلاله يوم ٩ يناير من أجل حلفان اليمين لبرلمان جديد..
وبالتالي نحن أمام مأزق، حله الوحيد عند حزب التجمع مثلًا اللجوء للمحكمة الدستورية للنظر في مدى إمكانية اعتبار موعد لدور الانعقاد السنوي المتعارف عليه، وهو موعد تنظيمي وليس موعدا دستوريا، وبالتالي تجرى الانتخابات ابتداء من أول أكتوبر فيكون هناك التزام دستوري إلى حين النظر في تعديل الدستور.
ولكن الفقهاء الدستوريين يقولون إن المحكمة الدستورية العليا ليست مختصة بتفسير نصوص الدستور، والأمر الثاني دور الانعقاد هو ٩ أشهر على الأقل وهذا أمر صحيح لأن الفقرة الثانية من المادة ٢٧٤ من اللائحة الداخلية لمجلس النواب قالت يستمر دور الانعقاد العادي إلى ٩ أشهر، لكن أضافت في عجُزها ما لم يكن المجلس بدأ عمله في تاريخ لا يسمح بانقضاء المدة المشار إليها.
والتطبيق الفعلي لذلك مجلس دعى للانعقاد يوم ١٠ يناير ٢٠١٦ في دور الانعقاد الأول، وفض هذا الدور يوم ٧ سبتمبر لمدة ٧ أشهر و٢٦ يوم. ولم يقل قائلًا في علم القانون الدستوري أن دور الانعقاد كان غير دستوريًا بل كان دستوريًا بامتياز.
وبالنسبة إلى أن مدة المجلس ستنقضى يوم ٩ يناير ٢٠٢١ هذا قول صحيح بامتياز دستوريًا لأن المادة ١٠٦ من الدستور قالت إن مدة مجلس النواب ٥ سنوات تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، إذًا الأمر لا يوجد فيه أي مشكلة، وسيكون هناك دور انعقاد أخير، ويمكن غض النظر عن تسميته بدور انعقاد سادس بل دور الانعقاد الأخير، وسيكون هذا الدور منقوص زمنيًا.
ومن ثم فإن الموافقة على قرار مد فترة دور الانعقاد الخامس واﻷخير نظرًا للظرف الاستثنائي الذي عاشته مصر لاستكمال مؤسسات الدولة، وأصبح طبقا للظروف استثنائيا، فهناك تعارض بين المادة (106) والمادة (115) من الدستور، وهنا يكون تفسير النص منطقيا للمادة 115 بوجود خمسة أدوار انعقاد خلال الفصل التشريعى الواحد..
الدستور عمل إنسانى ولا يجوز ترتيب آثار قانونية على ظروف إستثنائية تحكم الظروف العادية مستقبلا، كما لا يوجد في التقاليد البرلمانية سابقة ستة أدوار انعقاد وهناك اقتراح بمد فترة دور الانعقاد الخامس للفصل التشريعى الأول.
ولا يوجد نص سواء في الدستور أو اللائحة الداخلية يحدد عدد أدوار الانعقاد للمجلس، ومنه فإن دور الانعقاد الخامس الحالى سوف ينقضى بعد إقرار قانون الموازنة العامة في شهر يونيو، وبالترتيب على ذلك، لا بد أن يعود المجلس إلى الانعقاد إما بدعوة أو بقوة الدستور في الخميس الأول من أكتوبر 2020، وسوف تكون مدة دور الانعقاد الأخير أقل من 9 أشهر..
لأن تاريخ انعقاد المجلس لا يسمح بذلك، ولأن الدستور نص على بداية انتخابات مجلس النواب قبل انتهاء المجلس القائم بـ60 يومًا على الأقل، أي أن انتخابات البرلمان الجديدة سوف تكون في نوفمبر 2020، وسنكون أمام إعلان نتيجة الدورين الأول والثانى في ديسمبر 2020، لكن لن يكون للنواب الجدد حق ممارسة مهام العضوية، لأن النواب الحاليين وطبقا لنص الدستور: مستمرون حتى 9 يناير 2021.