شبح الطائفية يجوب المشهد
الطائفية ما أصعبها كلمة وما أبشع وقعها على النفس عند كل من يعشقون ذلك الوطن الذي عاشوا فى ظله سنوات طويلة نعموا بالهدوء ودفء العلاقات والود.. وعاشوا أيام طفولتهم وصباهم وهم يمرحون فى جنباته لا فرق بين أحد.. اختلطت فى أذهانهم صورة المآذن مع قباب الكنائس كل ما كان عندهم من خبرة عنها لا تعدو أن تكون سوى أنها دور مقدسة للعبادة.. لها وقارها واحترامها داخل قلوب المصريين لا تمييز بينهما ..
ولكن فى السنوات الأخيرة قد تغيرت وتحولت الأحوال ولم يعد الأمر كذلك بل أطلقت عليه الطائفية بوجهها البغيض على الرغم من أنها ليس لها أي جذور أو أصول وأن مصر عبر تاريخها لم تعرف الطائفية ولم تكن فى يوم من الأيام لها جذور طائفية أى منذ أن دخل الإسلام مصر ..
فالإسلام لم يدخلها غازياً ولكن فاتحاً بناء على دعوة أهلها .. وقد أدى ذلك إلى خلق نموذج فريد من نوعه قد اختلف عن جميع الشعوب التى من حولنا.. وقد صارت العلاقة فى انسيابية ولم يكن الدين بالنسبة للمصريين فيما بعد سوى أحد أوجه الاختلاف وليس الخلاف بل الاختلاف الطبيعى الذى لا يتجاوز الاختلاف فيما بين المذاهب لنفس الدين الواحد ..
ولقد أثر الإسلام فى جميع المصريين وأصبح القاعدة الثقافية الأساسية لهم، فكل مسيحى ديانة هو فى الواقع مسلم ثقافة.. لقد اعتاد على صوت المآذن حتى صار يعشقه بل إن المآذن قد طبعت فى ذهنه وصارت جزءا من تركيبه ووجدانه الذى يستريح إليه ويرى أنه لابد وأن تصافحه عيناه كل يوم كشىء جميل يرونه..
ولكن على الرغم من ذلك فهناك محاولات كثيرة ودءوبة لطرق باب الطائفية وعلى نحو أكثر قوة .. وعلى الرغم من فشل معظم هذه المحاولات إلا أنها لم تكل أو تمل ومازالت تطرق أبوابنا ..
وحتى نكون منصفين فإن هذه المحاولات كانت فى ظل النظام السابق وقد بدأ بأحداث الخانكة ثم الزاوية الحمراء فى الثمانينيات.. أى البدايات ولكنه لم يكن على نفس النمط من التوتر الذى أصبح عليه الآن ولا سيما فى مرحلة ما بعد اندلاع ثورة 25 يناير والثورة ليست بالقطع السبب ولكن مرحلة عدم الاستقرار التى تلت الثورة تعد السبب الرئيسى.. إذ أنها قد شكلت مناخا وبيئة خصبة للمروجين لهذه الطائفية.
والتى ليست فى الواقع غاية فى حد ذاتها ولكنها أحد الأبواب التى يتم طرقها للولوج إلى هدف آخر أعلى كلنا نعرفه وهو الغرض منه تقسيم مصر وإضعافها وتغيير خريطتها.. وقد رأينا ذلك فى العديد من النماذج التى من حولنا وقد يحاول البعض استخدام تصاعد التيار الدينى لكى يزيد من فعالية الطائفية Sectarian التى أثبتت نجاحات كبيرة ومغرية فى الدول التى من حولنا مثل العراق والسودان ولبنان والأمر يعمل حتى الآن بقوة فى هذه الدول وينتقل من دولة لأخرى ..
ومع ذلك فعلينا الآن أن يكون لدينا حائط صد لهذا الداء البغيض الذى يمكن أن يدمرنا وأن يأتى على الأخضر واليابس .. ولا يكفى معه جلسات الصلح أو التقاء أهل العقد والحل من الطرفين والرموز فقد يكون ذلك مفيداً وناجحاً ولكنه لا يكفى وحده ..
إذ أن الأمر يتطلب إلى جانب التوعية هو معالجة أو التعاطى مع المحطات والبؤر والنقاط التى تستغل لنمو مثل هذه الأحداث الطائفية مثل قانون العبادة المرصد، وأيضاً بعض التمايزات الاجتماعية أو التى استقرت فى الوجدان الطائفى على أن دافعها دينى، مع أنها فى الحقيقة هى تسرى فى حق المسلمين قبل المسيحيين ومع ذلك فلابد من التعامل مع ذلك الملف برؤية أكثر واقعية وجدية حتى لا تنجح الطائفية فى غزو مصر .