رئيس التحرير
عصام كامل

رحلة سد النهضة والحقائق الغائبة (5)


ونستطيع أن نؤكد بكل ثقة – وعلى عكس التيار السائد– أن مصر لن تضار من سد النهضة، لأن إثيوبيا ستخضع في النهاية لما تقتضيه المفاوضات، وتوافق على الوصول لما يرضي مصر ولا يضر إثيوبيا، وهو ما حدث بالفعل حيث دعا الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" كبار وفود الدبلوماسية من مصر وإثيوبيا والسودان، للمساعدة في حل أزمة سد النهضة..


عقد "ترامب" بالفعل اجتماعا وتم الاتفاق على أنه بحسب خارطة الطريق هناك 4 اجتماعات للجان الفنية لم تعقد بعد، وينبغي أن تعقد وتكون تحت إشراف أمريكي لمراقبة الوضع ومعرفة الطرف المتعنت، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى 15 يناير 2020، يتم رفع الأمر لرؤساء الدول، حسب ما نصت عليه خارطة الطريق، أو يتم طلب تدخل من وسطاء.

وتأتي الثقة في الحل السلمي من أسباب جوهرية، فلو نظرنا إلى قيمة السد لدى إثيوبيا فسنجد هذه القيمة تأتي من عدة جوانب أولها، بلا شك: توليد الكهرباء لنهضة البلاد، ولن يفيد السد إثيوبيا مائيا؛ نظرا لأن الماء متوفر طوال العام بكثرة، ولكن يفيدها من ناحية النهضة الصناعية من خلال توليد الكهرباء، وهذه الكهرباء المولدة من السد تزيد عن حاجة إثيوبيا بمقدار كبير..

وتأمل إثيوبيا أن تصدر الفائض من الكهرباء لتستفيد بالأموال المحصلة عن ذلك، وهنا نتوقف عند الدول التي ستستورد من إثيوبيا الكهرباء، فمن شروط استيراد الكهرباء أن تكون هذه الدول غنية ولديها شبكة كهرباء قوية جدا، وشبكة صيانة متطورة، وإذا نظرنا إلى موقع إثيوبيا نجد أن الدول المحيطة بإثيوبيا هي الصومال وجيبوتي، وجنوب السودان والسودان، وإريتريا وكينيا وأقرب الدول إليها أوغندا وتنزانيا، والكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى، فهي دول فقيرة جدا ولا توجد لديها شبكة الكهرباء القوية..

وبالتالي لن تستطيع إثيوبيا أن تصدر لها الكهرباء، ولا توجد دولة تتحقق فيها شروط استيراد الكهرباء سوى مصر التي تستطيع أن تربط شبكتها مع إثيوبيا، وتستورد الكهرباء لتعيد تصديرها إلى دول أوروبا، وبعض الدول العربية لتحقق الاستفادة لمصر وإثيوبيا.

وإذا لم تقم مصر بذلك فلن يكون للسد قيمة كبرى كما تأمل إثيوبيا، ولو اعتمدت إثيوبيا على الأموال التي تأتيها من إسرائيل وغيرها لمجرد التعنت في الموقف فتلك الأموال لن تظل طوال الوقت، لكن السد -إذا أقيم بمواصفات خاصة– والكهرباء، والاستفادة لو تحققت مع مصر ستظل دائمة مع ما سيعود على إثيوبيا من استثمارات مصرية، ومزايا مختلفة من خلال التعاون في كافة المجالات مع مصر..

وحتى بعض الدول العربية من الممكن أن تسحب استثماراتها بالتنسيق مع مصر في هذه القضية، ووقتها تخسر إثيوبيا كل شيء خاصة في مجال تصدير الكهرباء لمصر والعالم، فلو تم الإعلان رسميا عن عدم رغبة مصر في استيراد الكهرباء التي سينتجها السد، يتعطل تشغيل السد لأنه لن يكون هناك من سبيل لتصدير الكهرباء الناتجة منه.

ومن المعروف أن هذا السد حدودي، مقام على بعد 20 كم من الحدود مع السودان، من الصعب جدا تحويل الكهرباء كلها التي سينتجها إلى داخل إثيوبيا، لأنها ستحتاج إلى شبكة واسعة لتوزيع الكهرباء، ستكون تكلفتها أعلى بكثير من تكلفة إنتاج الكهرباء، وما أعلنته إثيوبيا أنها تعتزم تصدير كهرباء من التي سينتجها السد لتوفير العملة الصعبة، وهذا التصدير كي يتم لا بد أن يتم عبر السودان ومصر. فمصر هنا ستكون الحلقة الأهم، لأنه من خلالها فقط يمكن تصدير الكهرباء إلى أوروبا.

وهناك نقطة أخرى يجب أن تظهرها مصر وتستخدمها جيدا، وهي ورقة الأمن للسد نفسه من خلال إنشائه وهيكله فقد توقع بعض الخبراء في السدود، انهيار سد النهضة الإثيوبي في غضون سنوات قليلة من عمله؛ لأن السد قد بني على منطقة فوالق أرضية نشطة بما يعني تعرضها للزلزال بصفة مستمرة، وهو ما سوف يؤدي حتما إلى سقوط المبنى كاملًا، وقد انهارت من سد النهضة الإثيوبي أجزاء مرتين، الأولى كانت في عام 2016، والثانية جاءت في أغسطس من 2018..

وهو ما يدلل على أن هذا السد قصير العمر، ولن يستمر طويلًا، بسبب الزلازل، التي ستضربه بكل تأكيد. فارتفاع سد النهضة 145 مترًا، وهذا مكمن الخطورة، لأن كمية المياه المحجوزة كبيرة، فإذا حدث انهيار ستكون الخسائر فادحة، والمفروض أن يكون ارتفاع السدود أقل كثيرًا من ذلك، ولأنهم لا يستطيعون ملء 70 مترا فقط منه، حيث تم الانهيار في كل محاولة أقاموها.

وبالتالي ينبغي على الحكومة المصرية مقاضاة إثيوبيا دوليًا لأن سد النهضة سينهار، وهو ما يعرض مصر والسودان لكوارث لا يمكن توقع حجم أضرارها. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
الجريدة الرسمية