رئيس التحرير
عصام كامل

تجديد الروح


حيث إن كل دواعي التأمل في آخرة هذه البداية، أو هذه الأولى، قائمة وقاتمة، فالقتل أسلوب حياة، وهو قتل عبثى وحشى، والكذب بعدد أنفاس المليارات المخلوقين حتى الآن، والسرقة حلال، والظلم عدل والفحشاء حياء، والعاهرة تؤم المؤمنات، والمتحدث باسم السماء ينحر الرقاب قربانا لشيطانه.. والتافهون التافهون ساطعون قابضون..


حيث هذا كله محيط بنا وخانق وموشك على الانفجار، تصير الحاجة إلى تدبر ما بعد الحاضر.. وحتى ما بعد المستقبل، وقد يتداخلان، لأن النذر لا تغفلها عين.. طفح الظلم طفحا، وماعاد الناس هم الناس..

حيث هذا كله سينفجر، في وقت معلوم، ورسائل ربك تتوالى، والخلق يمصمصون الشفاه، ويكررون: ما يقع والله لهو من علامات الساعة.. ثم ينقلبون إلى أوكارهم، ومخادع لذاتهم، ومخازن أموالهم.. ومنصات أكاذيبهم.. وشيوخ يبررون ويفلسفون ويفتون ويتجاوزون.. لا يسمعون زمجرة بالسماء منذرة !

حيث هذا كله هو الحال، فإن تجديدَ الروح فريضة واجبة، قبل أن يفوت الأوان، وقبل ألا تُقبل روح متسخة، أو روح بالية، أو روح شاردة بلا يقين.. تجديد الشيء يعنى أنه موجود تحت الحواس الإنسانية.. تحت يديك وعينيك ويمكنك أن تشمه أو تتذوقه أو تلمسه.. بسهولة يمكنك تجديد الصالون أو المكتب أو الفراش أو البيت كله..

لكن الروح ليست شيئا خارج البدن لنراه ونعرفه ونتعرف عليه.. إنما هي أمر.. أمر يخص الله.. لا نلمسها لكن ندرك أثرها، وأثرها هو الحياة، وحين تتركنا نموت..

هي السر الإلهى.

إذا كان الجسد يموت بخروج الروح.. فان الروح تموت وهى بعد داخل الجسد الحى بفعل جوارح الشخص صاحب الجسد. بيننا هذه السنوات الحاضرة، أحياء وفيهم أرواح ميتة. كيف يعيش جسد وفيه روح ميتة؟!

تموت الروح داخل الجسد لكثرة خطايا الشخص... خطيئة تتبعها أخرى، تتبعها أخرى.. سرقة إثر سرقة، إثر سرقة.. ظلم يعقبه ظلم يعقبه ظلم.. رشوة بعد رشوة، بعد رشوة.. تفقد الروح طهارتها ونقاءها، وتتكدر وتتعكر وتسود وتذوى... تصبح كالجلد المتجلد الذاوى.. لم أرَ بالقطع روحا بهذه الأوصاف.. لأنها لاتظهر، إنما رأيت بشرا يمارسون كل الشرور دون مراجعة ولا محاسبة ولا حزن ولا خشية.

ليس أن الضمير مات.. بل لأنه مخمود تحت شهوة القوة وغلبة لذة المكاسب. موت الضمير هو النفس قبل الأخير لخمول ثم خمود الروح. الروح الخامدة هي روح يئست من الجسد الذي تمنحه الحياة، بينما يسلب هو نفسه من الآخرين كل شرف في الحياة.

محظوظ هو من تتنبه روحه فتنبهه.. محظوظ هو من يستفيق ويدرك أن اتساخ الروح فاض وطعم العفن يغطى سطح اللسان.. ويحقق النفور، والكراهية.

تجديد الروح ممكن في هذه اللحظة.. بقبول الابتلاء والتفاعل معه بالصبر عليه وإدراك عواقبه الطيبة.. وبالبكاء الصادق ورفض الذات الجبارة المارقة على ربها، المتمردة على دينها.. وبمخالطة الأطهار.. وبالحساب العسير مع النفس..

إن أحسست بخفة في الخطى، وبهجة في النفس وشرحة في الصدر، فاعلم أن ربك جددك، وأن روحك اغتسلت بدموعك، وأن وزنك خف وشف، يليق برحلة بين السموات حتى تبلغ مكانا يرضاه لك ربك.. وتهنأ به نفسك.
اللهم ساعدنا وجدد أرواحنا.. نجدد حياة الناس إلى ما هو أروع وأعظم.
الجريدة الرسمية