صور خيال المفردات
سأتناول موضوع الإحساس بجمال اللغة من زاوية مختلفة، وفى إمكان مدرّسى اللغة العربية التعريج عليها حين تسنح الفرصة، يقيناً، ليست القواعد النحوية والصرفية هى أهم ما يمكن أن يخرج به الطلاب من مولد الدراسة، ومناهج الدول المتقدمة أصبحت تسعى إلى إعطاء المدرسين مساحة جيدة من الحرية فى تقديم المواد الدراسية، هذا مجال فسيح للإبداع، يجب أن يدرّب التلميذ والطالب على استكشاف آفاق الخيال الكامنة فى المفردات.
صور خيال الكلمات لها صولات وجولات تجعلنا نحيا الألفاظ ونحييها، تغدو فى عيوننا كائنات حية، لا جمادات كما تلوح لنا فى القواميس، حديثى، أمس، عن الإصلاح والإصلاحات كان منطلق هذا الحديث. وهو مبحث يقع فى إطار اللغات المقارنة وعلم تطور المعانى، سأقدم أمثلة لاختلاف الشعوب فى النظر إلى الشيء الواحد، وأخرى لتباين الرؤية لدى أهل اللغة الواحدة.
الإصلاح عندنا فى الضاد، يعنى وجود فساد يجب إصلاحه، اعوجاج يجب تقويمه، خطأ يجب تصحيحه وتصويبه، خيال اللغات الأخرى يصل إلى الغاية نفسها بصورة أخرى. فى الفرنسية والإنجليزية نجد كلمة Reforme للتعبير عن الإصلاح، أى: إعادة التشكيل. التقويم فى كلتا الحالتين واضح، ولكن الصورتين مختلفتان.
المشهد أوضح حين نرى النهضة ونظيرتها Renaissance . الخيال
العربى يرى نهوضاً بعد كبوة أو عثرة أو سبات، بينما يرى الفرنسى والإنجليزى
ميلاداً جديداً.
أصبحت الصورتان متفاوتتين جداً. فى الضاد ينهض الجسم النائم أو العاثر، فى الغرب يولد الجسم من جديد. قل إن شئت إن شاعرنا وحَّد الصورتين (الله يسمع من بقّه)
يارب هبّت شعوب من منيتها
واستيقظت أمم من رقدة العدِم
الأذواق والأخيلة مختلفة لدى الشعب الواحد، وبعض القدامى كانوا على حق حين رأوا أنه لا وجود للمرادفات فى اللغة وإن كان المقصود واحدًا.
علم تطوّر المعانى حقول خصبة لا تحتاج إلى التأجيل إلى آخر الثانوية أو الجامعة.
يستطيع المدرّس فى الصف اغتنام فرصة ورود كلمة "سبب" فى أى سياق، فتح قوس على أن السبب فى العربية القديمة يعنى الحبل، ولكون الحبل رابطاً بين نقطتين أصبح ما نفهمه اليوم من السبب.
لزوم ما يلزم: الأمثلة لا حصر لها، فلنحصر الموضوع فى ضرورة جعل النشء العربى الجديد يُحسّ بجمال اللغة، وبجمال صور الخيال فى مفردات اللغات.
نقلاً عن الخليج الإماراتية.