خطيئة "إبراهيم محلب" في "القرآن الكريم"
قضى المهندس "إبراهيم محلب" عامًا ونصف العام في منصب "رئيس الوزراء"، أصابَ وأخطأ، اجتهدَ ولم يُقصِّرْ، وانطوتْ صفحته سريعًا في هذا المنصب الرفيع، الذي تولَّاه خلال فترة عصيبة من تاريخ مصر، ولكنَّ الخطأ الذي لن يُغفرَ له هو "تدخله المُباشر" في اعتماد القارئ "صلاح الجمل" بـ"الإذاعة والتليفزيون"، الذي يثير الغضب كلما أطلَّ وقرأ، سواء كان على الهواء مباشرة، أو مُسجَّلًا!
واقعة اعتماد القارئ المذكور، التي تمَّتْ قبل 4 سنوات، بنفوذ رئيس الوزراء السابق، لا تزال مثار سخرية واستهزاء وتندُّر العالمين ببواطن الأمور داخل "ماسبيرو"، الذين يُجمعون على أن "الجمل" ضلَّ طريقه إلى عالم المُقرئين عُنوة وإكراهًا، دون أن يكون مؤهلًا لذلك، ودون أن يكون مُتمتعًا بالحد الأدنى من المقومات اللازمة لـ "قارئ القرآن الكريم"، من حيثُ الصوت والأداء، ولو تمَّ إجراء "استطلاع رأى" حول مستوى قراء الإذاعة والتليفزيون على مدار المائة عام الأخيرة، فسوف يتذيله "الجمل" عن "جدارة واستحقاق"!
وبحسب المصادر المُطلعة في "ماسبيرو".. فإنَّ رئيس الإذاعة في ذلك الوقت "عبد الرحمن رشاد" تلقى اتصالًا من "محلب"، يأمره فيه، بشكل واضح وصريح، باعتماد "الجمل"، الأمر الذي خضعتْ له لجنة اختبار القراء واستسلمتْ، رغم إجماع أفرادها فيما بينهم على بأنه لا يصلح صوتًا وأداءً، ولكنه "حُكم القوى"!
مع كل ظهور إذاعي أو تليفزيونى لـ "الجمل"، تتهافتُ عليه الانتقاداتُ العنيفة؛ بسبب أدائه الباهت المُتداعى المثير للشفقة والغضب، ما دفعَ مسؤولى التخطيط الدينى إلى توسعة الفارق الزمنى لظهوره من 30 يومًا إلى 50 يومًا في "قرآن الفجر"، مؤكدين أن هذا أقصى ما يمكن أن يفعلوه معه، ولا يمكنهم حظره تمامًا، في ظل تفاخره وتلويحه بـ "معارفه الكبار"، كما يترددُ!
وفى الوقت الذي يُشدد فيه الرئيس "عبد الفتاح السيسي" على ضرورة التزام معايير الشفاهية والنزاهة وعدم المجاملة، وآخرها في اختيار المتقدمين إلى الكليات العسكرية وأكاديمية الشرطة، فإنَّ الواقع يؤكد أنَّ هناك مسؤولين كبارًا لا يلتزمون بهذه التوجيهات، ويتجاهلونها ويضربون بها عُرض الحائط، ويستغلون نفوذهم أسوأ استغلال، ويتدخلون بسلطانهم؛ ليمنحوا مَن لا يستحق ما لا يستحق، و"الجمل" نموذجٌ صارخٌ وكاشفٌ وفاضحٌ..
ومن المؤكد أنه ليس الحالة الوحيدة من نوعها، ولكنَّ هناك حالاتٍ أخرى في مؤسسات وجهات أخرى، سواء في "ماسبيرو"، الذي يعجُّ بكثيرين على غرار "الجمل"، في جميع قطاعاته، أو غيره، ما يبعثُ على إحباط الكوادر الواعدة، ويغلق أمامهم آفاقَ المستقبل بـ "الضبَّة والمفتاح"!
المؤسفُ.. أنه في الوقت الذي تمَّ فيه اعتمادُ "الجمل" تمريرًا، فإنَّ هناك قراء آخرين، يمتلكون جميع المقومات اللازمة لقارئ القرآن الكريم، حفظًا وأداءً وحضورًا، ولكنهم لا يستطيعون اقتحام حصون "ماسبيرو"؛ لأنهم لا يمتلكون "كارت توصية" ينقلهم إلى عالم الشهرة والأضواء، ولا يُحفِّظونَ أحفادَ مسئول رفيع القرآنَ الكريمَ، حتى يُمكنَهم الانتقالُ من فئة "المُحفِّظين" إلى جداول "القراء المُعتمدين"!
من المؤكد أن الأمر لا يقتصر على تمرير قارئ معدوم الموهبة واعتماده بالإكراه، فالقضية ليست شخصية على الإطلاق، وهى أكبر من مجرد قارئ، ولكن الأزمة الحقيقية تكمن في أنه لا شئ تغيَّرَ بعد ثورتين متعاقبتين، وأنه لا أملَ في تطهير المؤسسات الرسمية والحكومية من "داء" الواسطة اللعين، و"وباء" المجاملات الرخيصة، حتى لو وصل الأمر إلى تلاوة كتاب الله، وتلكَ خطيئةٌ لن تُغتفر لـ "إبراهيم محلب"، رغم ما بذله من جهودٍ مُخلصةٍ في خدمة الدولة المصرية، لا يُنكرُها إلا جاحدٌ، ولا يمكنُ لأى عابر سبيل أن يُزايدَ عليه، وكم أتمنى أن تكون المعلومات التي يتم تداولها بشأن هذا الواقعة غير دقيقة.
ليعلمْ الذين يتباكون على ما آلتْ إليه حالُ "دولة التلاوة" في السنوات الأخيرة من ضعفٍ وهوانٍ وتردٍّ، أن "كروت التوصية" هي واحدة من أبرز أسباب الانهيار، حيثُ يطاردُ أصحابُ الأصوات الباهتة المُشوَّهة، المواهبَ الحقيقيةَ، وينتزعون منهم الفرص التي يستحقونها، كما أن تلك التدخلات الرخيصة تخلق واقعًا بائسًا، عندما يتم تفضيل أصحاب التقديرات الدنيا من "أبناء السادة"، على المتفوقين والنابهين في كثير من مؤسسات الدولة، والوظائف الرفيعة والمهمة التي تمسُّ أحوالَ الناس وتؤثرُ فيهم..
عزيزى المُحفِّظُ الطبيب "صلاح الجمل".. ليتكَ ترفعُ الحرجَ عن نفسك وعن "محلب"، الذي ربما تدخل من أجلك بحُسن نية، أو عدم إدراك لحقيقة موهبتك، فهو –بالأساس- رجلٌ يفهم جيدًا في شئون المقاولات والحديد والأسمنت والرمل والزلط، وهذا أمرٌ عظيمٌ، وليس فنون التلاوة والأصوات وحُسن الأداء، كما ترفعُ الحرجَ أيضًا عن مسؤولى الإذاعة الذين أعيتهم الحيلُ في التعامل معك، وتعتزل القراءة نهائيًا، وتتفرغ للطب وتحفيظ القرآن الكريم لأبناء وأحفاد الكبار، فقد تجيدُ فيهما أفضل من غيرك..
وليتك تتوقفُ عن انتقاد الأساتذة المغاوير والقراء الِعظام الذين يفوقونك موهبة، أنت تفتقدها نهائيًا، وليتك تسمعُ نفسَك مرة أو اثنتين، بموضوعيةٍ وحيادٍ شديدين؛ حتى تُقدِّرَ مُعاناة مَن تسوقُهم أقدارُهم البائسة إلى سماع صوتك، ولو بالمصادفة، وليتك تتوقفُ عن نبرة المظلومية التي ترددها في كل مناسبة، والادعاء بأنك مظلومٌ ومحسودٌ؛ فأنت لست "رفعت" ولا "المنشاوى" ولا "البنا" ولا "عبد الباسط".. ولكنك "صلاح الجمل"..