موسم الزحف نحو السعودية!
حتى وقتٍ قريبٍ، كانوا يجتمعون على التشهير بالمملكة العربية السعودية في كل محفل، ويُحرِّضون عليها ويعتبرونها "مصنع الإرهاب الأول" في منطقة الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم بأسره. كانوا يُحمِّلونها أوزار التطرف والتشدد، ويتهمون "محمد بن عبد الوهاب" بأنه "المتطرف الأول".
كانوا يُزيفونَ الحقائقَ، ويُزوِّرونَ الفتاوى، ويُحرِّفون الكلمَ عن مواضعه؛ حتى يصلوا إلى الهدف المنشود، وهو شيطنة الأراضى المقدسة وبلاد الحرمين، بل وإزالتها من الخريطة تمامًا؛ ظنًا من عند أنفسهم الأمَّارة بالسوء أنهم بذلك يقدحون في الإسلام.
في فترة التسعينيات وما تلاها.. كانت بعض الصحف "الرسمية" تنشر على استحياء أحيانًا، ودون حياء أحيانًا أخرى، مقالاتٍ مُسيئة ومُشينة للمملكة، حتى أن بعضَهم أطلق دعوة صبيانية يومًا ما لنقل فريضة الحج إلى سيناء، أو غيرها، المُهم.. أن تخرج السعودية من المشهد الديني، وتغادر المعادلة الإنسانية، جميعُهم كانوا يكتبون، ليس مجانًا، ولا تعبيرًا عن هواجس تجتاح ضمائرهم الخربة، ولكن مقابل أجور سخية من بعض الدول الكارهة لبلاد الحرمين الشريفين، وجميعهم أثروا ثراءً فاحشًا، ونالوا جوائز رفيعة، جرَّاءَ سبِّ المملكة وقذفها والتهوين من قدر علمائها الراحلين أو المعُاصرين، مَن أصاب منهم ومَن أخطأ.
ولكنْ بينَ عشيةٍ وضُحاها.. تحولتْ "البغضاءُ المُقدسة" إلى "حُبٍّ مُقدس"، و"وصلات الردح" إلى "قصائد غزل"، و"التحريض" إلى "إشادة" تصل إلى "التمجيد"، فلم تعدْ الأراضى المقدسة "مصنع الإرهاب"، ولم يعد أئمتها "مُتطرفين"، وصارت هي الدولة النموذج التي يجب أن يحتذى بها العرب والمسلمون، بل وغيرهم من أصحاب الملل والنحل الأخرى.
الأسبوعَ الماضى.. افتتحت "فاطمة ناعوت" مهرجان التغزل في المملكة وواقعها الجديد بـ"ديباجة مُطولة" من النفاق الرخيص، تناقض كل ما كانت تروج له، بنفسها أو نيابة عن غيرها، منذ بدأتْ الصحفُ تنشر لها مقالاتها التي تكتبها أو التي تُستكتبُ لها. وبعد ثلاثة أيام..
التحق بها في "الجهاد المقدس" رفيقها "خالد منتصر" مُثمنًا مقالها، ومُكررًا محتواه، وهو أمرٌ اعتاد عليه، سواء مع "ناعوت" أو غيرها، فالرجل إما ينقل عن آخرين، دون أن يذكر أسماءهم، أو يفعل ما فعله مع "ناعوت" ومقالها.
وعلى غرار "ناعوت" و"منتصر".. فعل من كانوا يكفرون بالمملكة، الأمر ذاته، وتقيأوا عددًا غزيرًا من الكتابات الباهتة التي تتغزل في المملكة ؛ بحثًا عن "الرضا السامى" و"العطاء المالى"، في ظل التحولات الجذرية التي طرأت على بلاد الحرمين والمجتمع السعودي مؤخرًا، من خلال بعض الإجراءات والتدابير التي أباحت أمورًا كانت مُحرمة، وأجازت سلوكيات كانت محظورة، فضلًا عن الدور الترفيهى الواسع الذي تضطلع به هيئة الترفيه، من خلال الفعاليات والحفلات الفنية الواسعة، وما يصحبها من عطايا مالية دولارية وشيكات مفتوحة.
فلا تندهشوا عندما تجدون من كانوا يكفرون ببلاد الحرمين، باعتبارها مهبط الوحى، وقِبلة المسلمين، ويُحرضون عليها ويُشهِّرون بها، قد أشهروا إيمانهم بها على حين غِرَّة، وتغزلوا في مفاتنها الجديدة، فالمصالح تتصالح، شعارهم في الحياة: "أبجنى تجدنى".
وهذا دائمًا هو شأن الخدم، هم خَدَمٌ، وإن تبهنسوا، وصعَّروا الخدود كلما مشوا، وغلظوا الصوتَ، فزلزلوا الأرض، وطرقعوا القدم، وإنْ تباهوا أنهم أهلُ الكتاب والقلم، وأنهم في حلكة الليل البهيم، صانعو النور، وكاشفو الظلم، وأنهم ـ بدونهم، لا تصلحُ الدنيا، ولا تفاخر الأمم، ولايُعاد خلق الكون كله، من العَدَم.
ولا تأسفوا عندما تجدون هذا المنتخب الذي يولى وجهه شطر المملكة الآن، هو نفسه، فردًا فردًا، من قاد هوجة الإساءة إلى إمام الدعاة الراحل "محمد متولى الشعراوى"، والدفاع عن الفتاة المسيئة له وتحويلها إلى "أيقونة" من أيقونات الزمن الردئ، خلال الأيام القليلة الماضية، فيا لها من مرافقة، ولكن هذا أيضًا شأن الخدم، بإصبع واحدة، يُستنفرون مثلَ قطعان الغنم، ويهطعون لعلَّهم يلقون، من بعض الهبات والنعم. لهم، إذا تحركوا، في كل موقع صَنم. يُكبرون أو يهللون حوله، يُسبِّحون باسمه ويُقسمون، يسجدون، يركعون، يُمعنونَ في رياءٍ زائفٍ، وفي ولاءٍ مُتهم. وفي قلوبهم أمراضُ هذا العصر، من هشاشةٍ، ومن وضاعةٍ، ومن صغارٍ في التدني، واختلاطٍ في القيم.
وإجمالًا.. فإن بلاد الحرمين في غنى عن تلون المتلونين، ولن تنطلى عليها كتابات مرتزقة، يأكل أصحابها على جميع الموائد؛ بحثًا عن "السبوبة"، ليس انحيازًا لفكرة أو قيمة أو مبدأ..