المنصورة في حال يرثى لها !
لم تنقطع صلتي بمدينتى الحبيبة المنصورة أبدا، وكنت أتعذب شوقا إليها وأنا بعيد في القاهرة مقيما جديدا.. وحتى لما سافرت وعملت في واشنطن في إذاعة صوت أمريكا، لم يكن حنيني جارفا نحو القاهرة بالقدر الذي كان غلابا ومشجونا ودامعا نحو المنصورة. لهذه المدينة سحر وتعويذة ملبوسة في جينات أبنائها من الموهوبين في شتى المجالات، وأبرزها الثقافة والفن.. والعلوم.
وحتى اليوم أسافر كل ثلاثة أسابيع تقريبا لأقضي أياما أو ساعات مع أهلي وأهل حتتي.. أقول هذا لكي لا تكون صرختى التالية حزنا على مدينتى، محملة بالتجني.. فما سأقوله هو رؤية عين وعذاب طريق.
المنصورة، عاصمة الدقهلية ومركز النور والعلم والطب والثقافة.. ومركز البلطجة والفوضى والقمامة والزحام وعشوائية القيادة وترويع المارة أو السيارات العابرة.. وإنه ليوم أسود حالك السواد إن اضطررت للنزول إلى برزخ فرز الأعصاب وطحن الضلوع المسمى بالمشاية.
هي صراط الجحيم في هذه المدينة التي ضربتها أرتال السيارات وفوضى المرور وتسكع العربات والركنات الجانبية.. القمامة منتشرة والتدافع وسوء الأدب من بلطجية الانتظار والإتاوة جبرية.. راجع يا مدير المرور بالمنصورة موقف البلطجية أمام مسجد النصر.
المنصورة ليست شارع البحر المسمى شارع الجمهورية، ولا هي السكة الجديدة، شارع المحال التجارية.. ولا هي شارع المحافظة.. تلك شوارع ربما تكون جيدة، لكن بالتأكيد شارع المحافظة ممتاز رصفا وإنارة.. المنصورة فيها أحياء منكوبة مثل حي "عزبة عقل" مسقط رأسي.. الشوارع الداخلية حفر ونقر ومطبات ومياه طافحة ليس فقط في هذا الحي المهمل التابع لحي شرق.. بل في أحياء كثيرة بل في مصر هي مشكلة ومعاناة. شوارعنا الداخلية كارثية.
نحن : من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله!
ولنصارح أنفسنا.. هل هذه عيشة تليق بالناس؟ وهل المحافظ "كمال شاروبيم" يليق أداؤه بمحافظة كبيرة مثل الدقهلية؟ هل استقام أداؤه مع طموح الرئيس "السيسي"؟ الحقيقة أن المحافظة أصيبت بعدة محافظين توالوا عليها من بعد أحداث الخامس والعشرين من يناير الأسود في العام الحالك ٢٠١١. لم يفعلوا شيئا.. لا يتمتعون بالقدرة ولا الخيال ولا الحضور ولا السياسة.
المحافظ الحالي أداؤه دون المستوى والذي سبقه كان أفشل منه.. ونتمنى ألا نندم على فشل الفاشل الموجود إذا أصبنا بمحافظ من نفس الفئة!
مدن المحافظات ليست أقل أهمية للناس وحياتهم اليومية، من الطرق الرابطة بين المحافظات بعضها وبعض. السفر يصير أسهل وأمتع.. لا ريب في هذا.. والحركة الاقتصادية على الطرق السريعة عنوان الحيوية الاستثمارية والإنتاجية للدولة.. لكن الشوارع والحارات والأزقة.. حفر وتراب وقمامة وشغل الجوانب والأركان ومرتع للأكشاك.
المرور لا يؤدى واجبه.. انظر فوضى شارع حيوى مثل شارع قناة السويس، وشارع سوق الجملة.. وبالطبع شارع تخليص الذنوب المسمى بالمشاية. تحولت المدينة المتثائبة إلى مدينة صاخبة ذات جعورة منفرة.. كله كوم وحملة السنج والسيوف.
كل هذه الأعراض يمكن علاجها لو المحافظ أدى عمله على النحو الصحيح.. وفرض شخصيته وسلطته.. واستمرار إهمالها يحرق أعصاب الناس وجيوبهم ويجعل كل مواطن حاملا روحه في مناخيره.
حى الفردوس مزبلة بمعنى الكلمة.. وللمفارقة أن اسمه حى الفردوس ! المسئولية أيضا تقع على المواطنين.. لكن المحاسبة والمساءلة والعقاب القانونى جزاء كل من يسيء للبيئة.
بصراحة نستحق محافظا مبدعا.. لأن المبدع يتذوق الجمال ويخلقه.. أما من فقد حاسة التذوق الجمالي فلا تنتظر منه سوى القبح الشامل الضارب في جنبات العاصمة الدقهلاوية. لعل مدينتي تمسح دموعها قريبا وتغتسل من الفوضى والتقاعس والتراب.