رئيس التحرير
عصام كامل

قوانين الأسرة في الخارج.. لكل شيخ طريقة.. «الطائفية» تتصدر المشهد في لبنان.. وأوامر الملك فوق القانون في المغرب.. 50 قانونا للأحوال الشخصية بأمريكا.. ومواد الحضانة تفجر جدلا في العراق

فيتو

تعد قوانين الأحوال الشخصية من أكثر التشريعات حساسية، فهي ترتبط بجوانب مهمة في حياة الأفراد "الزواج والطلاق والنفقة والميراث والوصاية وحضانة الأطفال" وغيرها من الأمور الإنسانية، لذلك تحرص مختلف الدول على إعداد قوانين للأسرة تضع حلولا للمشكلات المجتمعية، وفى أغلب الدول الإسلامية بطبيعة الحال كان للنصوص الشرعية التي تستند على الفقه الإسلامي حضور كبير في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة.


أمريكا
في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك فصل كامل بين الدين والدولة، وكل ولاية لها قانونها الخاص في الأحوال الشخصية، أو القانون العائلي كما يطلق عليه في أمريكا، وهناك دعوى قضائية لمواطن أمريكي مسلم حظيت باهتمام بالغ.

الدعوى تقدم بها في ولاية "نيويورك" مواطن يدعى (فيرسس عزيز) كأول عقد قران إسلامي، ووفقا لقانون الولاية تقوم المساجد بعقد قران إسلامي، وبنفس الوقت يسجل كعقد مدني مقبول من الحكومة، لكن حالة "عزيز" كان عقد زواج في الخارج، وفي تلك القضية قضت المحكمة بأن المحكمة الأمريكية لها الحق في النظر وفي العمل بعقد القران الإسلامي بالبنود التي لا تتعلق بالدين "المهر والشروط"، وكل البنود تقريبًا ليست دينية بحتة، ويحق للقاضي أن ينظر لها كبنود مدنية بحتة، ويحاول تطبيقها، وأصبح الكثير من المحاكم في الولايات المتحدة يتبع هذا النظام.

البلدان العربية
ويلعب قانون الأحوال الشخصية -أو قانون الأسرة الإسلامي- دورا مهمًا وشديد الخطورة في تحديد العلاقات الاجتماعية في البلدان العربية، حسبما جاء في المشروع بحثي "قوانين الأحوال الشخصية في الوطن العربي بين المرجعيات الدينية ومتطلبات العصر"، باعتباره القانون الأشد صلة بالحياة اليومية للمواطنين ويحكم شئون الأسرة المسلمة والعلاقة بين أطرافها، ويحدد حقوق وواجبات كل من أفرادها وعلاقاتهم، ويضبط أمور الزواج والطلاق ورعاية الأطفال والأمور النفسية والمالية الناتجة عن الطلاق.

وأخذت كل البلدان العربية الإسلامية بنفس المقاربات في تبني قانون الأحوال الشخصية المستمد من الفقه الإسلامي، إلا أن كل بلد عربي مسلم كانت له خصائصه وتوجهاته في ذلك، ما أوجد تباينات مهمة بين قواعد الفقه التي اتبعت، وآراء المشرعين وتفسيرات النصوص المطبقة في قوانين الأحوال الشخصية المتبناة من كل بلد.

وجاءت قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية المعمول بها في البلدان العربية نتيجة موازنات تشريعية بين المرجعية الدينية الفقهية وبين المرجعيات القانونية الوضعية الحديثة، وبحسب المشروع البحثي لم تكن تلك الموازنات فقهية أو أكاديمية فقط، بل كانت تحدث دائما في سياقات سياسية واجتماعية شديدة التعقيد".

العراق
ففي العراق أصدر النظام الجمهوري عام 1959 قانونًا للأحوال الشخصية، ثم عدل بالقانون رقم (11) عام 1963، مأخوذ من جميع المذاهب الفقهية، وآخر أجري عليه 17 تعديلًا لكي يستوعب القضايا المثارة في المجتمع العراقي وكان آخرها في عام 1999، وكان للمادة 57 الخاصة بالحضانة نصيب من هذه التعديلات، حيث أجري عليها أربعة تعديلات.

وفي 1986 جرى تعديل على الفقرة التاسعة من المادة 57، التي كانت تعطي حكمًا واحدًا لحضانة الأم للمحضون في حالة فقدان الأب أحد شروط الحضانة أو حالة وفاته، ولكن بعد التعديل أضيفت شروط أخرى وأصبح لكل حالة حكم خاص، وآخر تعديل جرى على أحكام الحضانة كان في عام 1987، وبالتحديد على الفقرة الثانية الخاصة بشروط الحاضنة، ولا تزال هناك دعوات لإجراء التعديلات على القانون بشكل عام وعلى المادة 57 بشكل خاص.

وفي فبراير عام 2013 أقر مجلس الوزراء العراقي قانونًا جديدًا للأحوال الشخصية على المذهب الجعفري، لكنه لا يزال يثير اتهامات بالطائفية وعدم مراعاة التنوع داخل المجتمع العراقي.

الأردن
وفي الأردن صدر قانون حقوق العائلة عام 1951، الذي حل محل قانون العائلة العثماني، وهو يشبه في جملته القانون السوري، ثم صدر قانون الأحوال الشخصية رقم 61 عام 1976، الذي حل محله مؤخرًا القانون الجديد رقم 36 لعام 2010.

كما صدر قانون الأحوال الشخصية السوري بالمرسوم التشريعي رقم 59 بتاريخ 7/9/1953، وعُدل في عام 1975، ثم 2004.

لبنان
ويفتقد لبنان لقانون مدني ينظّم الأحوال الشخصية، فهناك 15 قانونًا طائفيًا للأحوال الشخصية خاص بكل طائفة دينية معترف بها، بما فيها اثنتا عشرة طائفة مسيحية، وخمس طوائف محمدية وطائفة يهودية، وتشرف محاكم طائفية مستقلّة (باستثناء اليهودية) على تطبيقها، لكن تعدد القوانين والمحاكم يؤدي إلى عدم المساواة بين المواطنين في لبنان، عندما يتعلق الأمر بجوانب محورية من حياتهم "الزواج والطلاق وحضانة الأطفال".

وأدى تعدد قوانين الأحوال الشخصية ومصادرها وتطبيقها من قبل المحاكم الطائفية في لبنان لانتهاك مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في قضايا الزواج والطلاق، ولا يزال قانون حقوق العائلة العثماني الصادر عام 1917 مطبقا على المسلمين في لبنان، ومعظمه من الفقه الحنفي، ويُتاح لكل طائفة أن تحكم في أمور الأحوال الشخصية بتشريعها الديني الخاص.

ليبيا
ويُعمل في ليبيا بالقانون رقم (10) لسنة 1984، بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهم، وبشأن الميراث، ويُعمل بقانون عام 1947، وأصدرت بعض التعديلات منفردة في عام 2013.

السودان
ويأخذ قانون الأحوال الشخصية في السودان بالراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة، إلا في المسائل التي تصدر بها منشورات شرعية من قاضي القضاة، وتأخذ بغير الراجح في المذهب الحنفي من المذاهب الأخرى، ثم نسخت بقانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991.

اليمن
وصدر في اليمن قرار مجلس النواب رقم (17- 5) لسنة 1996، بالموافقة على القرار الجمهوري بالقانون رقم (20) لسنة 1992، بشأن الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم (27) لسنة 1998، والقانون رقم (24) لسنة 1999، والقانون رقم (34) لسنة 2003، ويعمل بالمذهب الزيدي.

السعودية
أما في المملكة العربية السعودية فيطبق المذهب الحنبلي في الأحوال الشخصية، وفق الراجح في المؤلفات الفقهية المعروفة والمعتمدة مثل "كشاف القناع"، و"غاية المنتهى"، وعلماء المملكة يمنعون التقنين.

سلطنة عمان والكويت
وصدر في سلطنة عُمان قانون الأحوال الشخصية بمرسوم سلطاني رقم 32/97 بتاريخ 4 يونيو 1997، ويعمل بالراجح من المذهب الإباضي.

كما صدر في الكويت قانون الأحوال الشخصية عام 1983، ويحوي 157 مادة، وهو مستمد من مختلف المذاهب الفقهية من دون تقيد بمذهب معين وأدخل عليه تعديلات قانون رقم (66) لسنة 2007، بإضافة مواد جديدة على القانون رقم (51) لسنة 1984 في شأن الأحوال الشخصية.

قطر
وصدر في قطر قانون الأسرة (22 / 2006)، وقانون 21/1989 بتنظيم الزواج من الأجانب، وقانون الولاية على أموال القاصرين 40/2004، كما صدرت الموافقة الرسمية من مجلس الشورى 2014 على قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأسرة، ويُعمل فيه بالمذهب الحنبلي.

وقد أعد مشروع القانون الاتحادي لسنة 1979 في دولة الإمارات العربية المتحدة، بإصدار قانون الأحوال الشخصية من 455 مادة ثُم عُدل، وقد صدر أخيرًا بالقانون 28 لعام 2005.

وتتفاوت مسارات قوانين الأحوال الشخصية في المغرب العربي (تونس، والجزائر، والمغرب) وفقا لطبيعة التكوينات الاجتماعية بها، وأيضا لطبيعة أنماط التدين التي تهيمن على بنيتها العقائدية، وعلى الرغم من أن بلدان المغرب العربي تتسم بوحدة شبه مطلقة للدين والمذهب، حيث تصل نسبة المسلمين السُنة المالكيين في كل بلد من البلدان الثلاثة إلى أكثر من 98% من السكان، لكن التعامل مع الأقليات في تلك البلاد وتقنين أوضاعها يختلف من بلد إلى أخرى، فقانون الأحوال الشخصية في كل من البلدان الثلاثة هو أحد أوجه التنازع بين القيم التقليدية وقيم الحداثة بعد سنين طويلة من الاستعمار، وكل دولة منهم كانت متمسكة بأن يخرج قانون أحوالها الشخصية كدرب من الاجتهاد الشرعي.

تونس
فقد شهدت تونس أول تقنين للفقه الإسلامي في العالم في "قانون الجنايات والأحكام العرفية" الصادر سنة 1861، وجاء من قبل "مجلة الأحكام العدلية" الشهيرة التي طبقت في أغلب الدول الإسلامية بعد ذلك، وينظر الكثيرون إلى مجلة الأحوال الشخصية التونسية، والتي كانت تحت إدارة وإشراف بعض علماء الشرع من أبناء جامع الزيتونة، كان من بينهم الإمام الطاهر بن عاشور، باعتبارها من أكثر مشاريع القوانين في العالم الإسلامي تحررًا من قيود التراث، ويرى البعض أن بها خروجًا واضحًا عن بعض أحكام الإسلام، مثل إباحة التبني، ومنع تعدد الزوجات، بل منع الطلاق.

واستخدمت المجلة مصطلحات فقهية، وأقرت كثيرًا من الرؤى الفقهية التقليدية التي لا تتعارض مع قيم الحداثة، ويظهر مدى حرص الدولة على إبراز قانون الأحوال الشخصية على هيئة اجتهاد شرعي معاصر في المملكة المغربية بشكل خاص، حيث يعتبر الملك المغربي هو "أمير المؤمنين" دستوريًّا.

ورغم حرص الدولة في البلدان الثلاثة على صياغة قانون أحوالها الشخصية على هيئة اجتهاد شرعي، لكن حركات الإسلام السياسي هاجمت تلك القوانين بشدة، واعتبرتها دليلا على علمانية الدولة وتفريطها في المقدسات والتراث، ولم تنجح الدول في تسويق قوانينها باعتبارها اجتهادا شرعيًّا.
الجريدة الرسمية