عباس العقاد يكتب: العبودية في النفوس لا في القيود
في عام 1936 اشترى الأديب عباس محمود العقاد ترخيص صحيفة اسمها "الضياء" من عبد الحميد حمدى صاحب امتيازها ليصدرها على حسابه الخاص برأسمال تبرع به رجل الأعمال إبراهيم عامر باشا.
ولى العقاد الأديب "كليم أبو يوسف" رئاسة تحريرها ردا على الوفد الذي أشاع حينها أن العقاد يهدف من مهاجمته إشعال نار الفتنة الطائفية خاصة في هجومه على سكرتير الوفد مكرم باشا عبيد.
وتحت عنوان "عهد وذكرى" كتب العقاد افتتاحية العدد الأول من "الضياء" في نوفمبر عام 1936 يقول فيها:
نحن الآن بادئون بعمل جديد ملتزمون بخطة معروفة ومعهودة لزمناها سنوات طويلة في خدمة الصحافة والقضية الوطنية.
اننا سنمضى على ما كنا فيه لنكون قد قلنا ما فيه الكفاية، واستغنينا عن الفضول والتكرار، فسنعلن ما نعتقده من رأي في غير محاباة ولا أحجام، وأننا لن نتردد في إبداء الرأى الذي نؤمن به كلما وجب إبداؤه وتعزيزه.
إننا منذ اليوم الذي قضت فيه هذه الخطة بأن نستقل عن جميع الأحزاب والهيئات، وقد آلينا على أنفسنا ألا يعوق هذا الاستقلال عائق، ولا يحجبه حجاب، ونحن قادرون على أن نتجاهله ونعلو عليه.
إن سياستنا في جميع المسائل والحوادث سياسة قومية وطنية، تنظر إلى الأعمال لا العناوين، والى المبادئ القويمة والمصالح المصرية لا إلى الأحزاب والهيئات.
إن حرية الرأى والشجاعة الأدبية في إبدائه هما المثل الأعلى فيما نتوخاه من عمل صحفي، ومن خلق قومى تدين به البلاد وتعكف عليه، لا تعدل به مطلبا من المطالب ولا برنامجا من البرامج، ولا وعدا من الوعود.
حرية الرأي والشجاعة الأدبية أنفس من الاستقلال.. لأن الأمة التي تملك رأيها وتملك شجاعة إيمانها هي مستقلة فعلا ولو احتلتها فيالق الغاصبين.
وأما إذا خسرت الامة حرية رأيها وشجاعة إيمانها فلا خير في استقلال ولا دستور ولا نيابة ولا انتخاب لأنها تساق سوق العبيد ولو لم يكن لها سيد قريب أو غريب.
وأعود وأقول لا فرق بين عبد مسود وعبد مطلق اليدين والقدمين.. لأن العبودية في النفوس والقلوب لا في القيود والأغلال.