«عماد».. رحلة صياد من حدود دفاتر الحكومة إلى البحر الفرعوني (صور)
بعيدا عن زحام القاهرة وهوائها الملوث بالعوادم، وضوضاء أبواق سياراتها، تنتشر قرى الريف المصرى على ضفاف نهر النيل، تنعم بالسكينة والهدوء، وتنتشي بهوائها النظيف وحقولها الخضراء الممتدة على طول البصر.
في كفر فيشا بمحافظة المنوفية، والذي يبعد نحو 65 كيلومترا عن العاصمة، يخرج عشرات الصيادين في الساعات الأولى من الصباح حاملين شباكهم، حيث تنتظرهم مراكبهم الصغيرة في سكون على ضفاف البحيرة العذبة والهادئة.
"البحر الفرعوني، أو البحر الأعمى"، هو الاسم الذي يطلقه أهل القرى التي تقع على ضفاف تلك البحيرة، فمنذ 5 قرون كان هذا المسطح المائي يوما أحد فروع نهر النيل، إلا أنه مع انخفاض منسوب المياه، جفت بعض الأراضي لتفصل هذا الجزء من فرع النهر ويتحول إلى بحيرة.
مع مرور السنين، دبت الحياة في الأراضي المحيطة بتلك البحيرة الخلابة التي تصل مساحتها إلى 10 آلاف كيلو متر مربع، حيث زاد عدد القرى يوما بعد يوم في ظل توافر الرزق من صيد الأسماك، حتى وصل عدد القرى حولها اليوم إلى نحو 50 قرية، يمتهن غالبية أبنائها الصيد، وصناعة الأدوات البسيطة اللازمة له.
"عماد"، واحد من صيادي تلك القرى، ورث المهنة أبا عن جد، ولم تستطع وظيفته الحكومية اقتلاع جذور عشقه وشغفه بمهنة أسلافه، فيقضي ساعات الصباح الأولى في مكتبه بين الدفاتر والأقلام، وسرعان ما يعود إلى بيته البسيط، ويخلع عنه ملابس أهل المدينة ويرتدي ملابس أهل الريف، المكون من سروال وجلباب فضفاض لا يعوق حركته خلال الصيد.
ساعات قليلة وتغرب أشعة الشمس، يعود كثير من الصيادين، حاملين غنيمتهم من البحر، بينما ما زال عماد في طريقه إلى مركبه حاملا شباكه الخاوية، فقد أخرته رقعة في شباكه، اضطر إلى رتقها بصبر وتأن، ولكن لا بأس، فرزقه من السمك تخبئه له البحيرة لحين وصوله.
"بسم الله أبعت رزقك ياكريم"، يبحر عماد داخل البحيرة، حتى يصل إلى بقعته المفضلة، ويلقي بشباكه بخفة وثبات، ثم يضرب سطح المياه ضربات متتالية بـ"المدرة" وهي عصا طويلة تدفع السمك إلى الهرب باتجاه الشباك.
وبعد نحو الساعة ونصف الساعة يبدأ عماد في إخراج الشباك المضطرب جراء انتفاضات عشرات الأسماك العالقة به، حيث يجمعها واحدة واحدة ويضعها في صندوق بلاستيك، يحمد الله على رزق اليوم وابتسامة الرضا تزين وجهه.