الوصايا العشر لمواجهة سد النهضة
المثل المصري الشائع "إن الله يقطع من هنا ويصل من هناك" ينطبق على تعويض السماء لهذا البلد الصابر من نقص المياه.
وكان أن أهدى الله مصر رزقها من المياه بالأمطار بينما كانت إثيوبيا تستأسد على حصة مصر بسد النهضة وتخالف التفاهمات الموقعة، وبينما كان الإحباط يسيطر على المصريين ارتفعت مياه النيل لأعلى منسوب ببحيرة ناصر لتصل للعلامة ١٨١، وأقصى علامة للبحيرة ١٧٨، ولهذا تم فتح مفيض توشكي وكل المضخات لرفع المياه للمفيض.
وبينما كانت الأمطار تهطل وتغرق الشوارع لعدم وجود شبكة صرف، خرج من يقول إن تكلفة إنشاء مثل هذه الشبكة يكلف المليارات وبالتالي علينا أن نتحمّل غرق الشوارع يومين، وهذا عذر أقبح من ذنب في تلك الظروف، والرد البسيط هو أنه ليس ضروريا إنشاء شبكة تصريف أمطار تغطى مدينة القاهرة بالكامل تكلف المليارات..
ولكن من المهم إنشاء وحدات تصريف لمياه الأمطار في الأنفاق ولبعض الشوارع الرئيسية ومحاور المرور، وخاصة في الأماكن المنخفضة وفى الميادين التي يحدث بها كثافة مرورية لتجنب حدوث اختناقات وأزمات أثناء العواصف المطرية، ولتقليل تبعاتها، والغريبة أن عندنا كلية اسمها التخطيط العمرانى، والتي من بين أوائل خريجيها المهندس "مصطفى مدبولي"، ولكن للأسف لا يوجد تخطيط سليم وخاصة للمناطق الجديدة..
والمسألة ليست في تحمل "يومين مطر"، المشكلة أكبر من ذلك لأن المياه تتسرب تحت الأرض وتتجمع في بدرومات العمارات مما يؤدى إلى تخلخل التربة وتآكل الأساسات، ومن جانب آخر، تتجمع قمامة التي تجرفها المياه وتتلوث المياه الجوفية..
معظم عمارات وسط البلد بدروماتها أحواض سباحة، وبعضها يسكنه ثعابين، وهناك خطورة شديدة على عمرها الافتراضي. أما مسألة فإنها ستتكلف مليارات، فإن ذلك الرقم به مبالغة، ومن ناحية أخرى يمكننا تنفيذ الشبكة بالتدريج، من خلال خطة محكمة ومراحل للتنفيذ.
ثم السؤال المسكوت عنه لماذا لم تشيد تلك الشبكة في كل المناطق المشيدة حديثا، مثل التجمع والمدن الجديدة.
بلا شك سد النهضة ستكون له تداعيات مائية صعبة، ولكن المفاوض المصرى يحاول ألا تتجاوز هذه التداعيات قدرة الدولة على احتوائها. بشرط بناء موقف وطني موحد، يجمع كافة المصريين دون استثناء، تجاه ما يطرحه سد النهضة من مخاطر وتحديات وجودية غير مسبوقة في تاريخنا كله.
هذا الموقف الموحد لا يلغي ما بيننا من خلافات سياسية، ولا يؤجلها، ولا يقلل من قيمتها وعلينا أن نعلم أن سد النهضة نتاج لإهمال مصر لأفريقيا لسنوات طويلة، بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال "مبارك" في أديس أبابا، مما أعطى الفرصة لإسرائيل للتغلغل بسهولة داخل أفريقيا والسيطرة على صناع القرار في دول القارة.. والسبب الثاني الهام والأساسي هو الفوضى التي حدثت في ٢٥ يناير، وعدم وجود الدولة دفع إثيوبيا للبدء في البناء..
إذا الأمر يحتاج إلى سياسة مائية حكيمة منطقية تحرص على حقوقنا، وفى نفس الوقت ترحب بأى مشروعات تقيمها الدول الأخرى شريطة ألا تضرها، لذا كان من الطبيعى أن تحرص مصر على احترام قواعد القانون الدولى المستقرة التي تنظم الانتفاع بمياه الأنهار الدولية، مثل وجوب احترام ما سبق للدولة النهرية أن اتفقت عليه، وهذا مبدأ فعندما يحدث اتفاق بينك وبين غيرك لا بد أن تحترمه..
ومع استعداد المفاوض المصرى للسفر إلى إثيوبيا لمحاولة الاتفاق حول سياسات تخزين وتشغيل سد النهضة، من المفترض أن يكون قد تم بالتوازى تشكيل مجموعة وطنية لإعداد ملف التحرك الدولى في هذه القضية من قانونيين وسياسيين بالاستعانة بخبير دولى أو أكثر، ومجموعة وطنية أخرى للتواصل الدولى (أفريقيا ودول الفيتو في مجلس الأمن ومراكز الثقل الدولى والمنظمات الدولية) إعدادًا للتحرك المصرى المتوقع إذا فشلت المفاوضات، خاصة وأن اغتصاب الماء مثل اغتصاب التراب، وإذا كنّا قد حاربنا لتحرير سيناء، فمن المنطقي أن نحارب على كل الجبهات لتحرير الماء، فالاغتصاب في كلتا الحالتين واحد.