رئيس التحرير
عصام كامل

لا تحملوا الفن ما لا طاقة له به


حالة من الهجوم شنها نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي على أهل الفن حتى إنها أصبحت ظاهرة على السوشيال ميديا، ولم تكن تلك الظاهرة وليدة اليوم أو أمس، ولكنها تعقب كل جريمة تبدو في ظاهرها خارجة عن إطار المألوف لدى الطابع المصري خاصة والعربي بشكل عام.


"محمود محمد البنا" شهيد الشهامة، ذلك الشاب أو لنقل الطفل الذي لم يكمل العقد الثاني من عمره، دفع حياته ثمنًا لموقف رجولي أراد أن يسجله لنفسه، في منع أحد المراهقين وهو "محمد راجح" من التعرض لإحدى الفتيات في قريته.

خرجت الأبواق عبر منصات السوشيال ميديا تصب جام غضبها على الفن ومقدميه، مدعين أنهم السبب الرئيسي في ارتكاب طفل في عمر "محمد راجح" لمثل هذه الجريمة، وبهذه الطريقة التي لا يقدم عليها إلا مسجل خطر أو أحد معتادي الإجرام بأن بيت النية وعقد العزم على التربص بالقتيل، مستعينا بـ3 من أصدقائه وأجهزوا عليه ضربًا بـ«المطاوي»، حتى لفظ شهيد الشهامة أنفاسه الأخيرة وسط بركة من الدماء في الشارع.

الكل حمل أفلام "محمد رمضان" ومعها فيلم "إبراهيم الأبيض" لـ"أحمد السقا"، إثم تلك الجريمة، ولكن قبل أن نقر بوجوب اتهام هذا النوع من الفن منفردًا في تلك الواقعة أو ما سبقها من وقائع دموية، علينا أن نسأل أنفسنا بضعة أسئلة ونجيب عنها:

- أليس "محمود البنا" و"محمد راجح" أبناء نفس القرية ونفس الفئة العمرية التي تربت على أفلام «الألماني – عبده موتة – قلب الأسد – إبراهيم الأبيض–... إلخ» وغيرها قائمة طويلة من أفلام تقدم ألوانا لا بأس بها من البلطجة، بالطبع ستكون الإجابة نعم، الاثنان من متابعي ذلك اللون من الأفلام ولكن أحدهما جانٍ والآخر مجني عليه، أحدهما قاتل والآخر قتيل، أحدهما شهيد شهامة ورجولة والآخر متحرش منساق وراء رغباته وغرائزه الشهوانية التي دفعته للقتل.

- من منا لا يقتني في بيته سكينًا بكافة أحجامه؟.. كم منا يمتلك في بيته نوعا من أنواع الأسلحة سواء بيضاء أو حتى نارية (مرخصة أو غير مرخصة)، الفارق أن فريقا من مالكي الأسلحة يستخدمونها في الأغراض السلمية أو حتى الدفاع عن النفس والممتلكات بموجب القانون والدستور وفئة أخرى منحرفة تستخدمها في أعمال إجرامية وترويع مواطنين وإزهاق أرواح بريئة.

- كم من شخص يحوز أدوية (وفق جداول وزارة الصحة مدرجة ضمن قوائم المواد المخدرة)؟ البعض يستخدمها في أغراض علاجية (وفق إرشادات الطبيب المعالج) والبعض الآخر يسلك من خلالها طريقه للإدمان.

- هل هناك بيت يخلو من (كاسات الكريستال)؟ بالطبع لا ولكن هناك من يستخدمها لمآربه اليومية في المشرب (الحلال) وهناك من يستخدمها في تقديم الخمور بكافة أشكالها وسبلها.

كل هذه الأمثلة والتناقضات فيما قدمته لكي لا ندفن رأسنا في الرمل كالنعام ونحمل كل شيء ذنب ما نقترفه بأيدينا.

بالرجوع لقضية «شهيد الشهامة»، نجد الاثنين (القاتل والقتيل) من نفس المحيط الاجتماعي ولكنهما ليسا أبناء وسط أسري واحد، أحدهما تربى في بيته على أن العرض شرف والدفاع والموت من أجله شهامة، والآخر تربى على أن كل شيء مباح وملك بنانك.

لم أكن في يوم من المدافعين عن اللون الذي يقدمه "محمد رمضان" في أعماله أو حتى من متابعيها، ولكن من هواة ولن أبالغ إن قلت إني من عشاق المثل القائل (الكل يحاسب على مشاريبه)، أي إنه يجب علينا أن نُعمل العقل ولو قليلا في أن يوجه اللوم لصاحب الذنب..

لا مثلا أن نحاسب الكلب ونترك صاحبه الذي استخدمه في ترويع الآمنين، لا أن ننهال بالضرب على حمار أو حصان دون أن نوجه اللوم على صاحبه الذي تركه وسط الطريق بعربته، كلها أمثلة تبدو بسيطة ولكنها تكشف عن جانب مخيف يخفيه السواد الأعظم من أبناء الشعب المصري، مُرددين الخرافات الأسطورية كـ «شعب متدين بطبعه –الشهامة منبعها ولاد النيل –الطفل المصري أذكى طفل في العالم –المصري معروف بقوته وجبروته»، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
الجريدة الرسمية