رئيس التحرير
عصام كامل

أوراق إيران السرية في العراق ولبنان.. "ملالى طهران" يستعينون بـ"جنرالات الإرهاب" لإجهاض الاحتجاجات في البلدين العربيين.. وقاسم سليماني يحاول إعادة بيروت وبغداد إلى "الحظيرة الإيرانية"

جانب من ثورتى العرق
جانب من ثورتى العرق ولبنان

«ما تفشل فيه السياسة يمكن أن ينفذه الاقتصاد».. إستراتيجية اعتمدها النظام الإيراني طوال السنوات الماضية لمد نفوذه إلى بعض دول المنطقة العربية، مرات عدة كان الفشل حليف «ملالى طهران»، ومرات أخرى ساهمت الظروف في نجاح مخططات «السيطرة الإيرانية»، ولعل ما شهده العراق ولبنان طوال السنوات الماضية، يؤكد أن بغداد وبيروت كانتا قاب قوسين أو أدنى من السقوط في «الفخ الإيراني»، غير إنه منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان على مدار الأسابيع القليلة الماضية وتصاعد حدتها، شعرت إيران بالاضطراب والقلق بعدما عملت لسنوات على التأسيس لمد نفوذ أذرعها في البلدين.


تزايد معدلات الاحتجاجات، وخروج أصوات تطالب بإنهاء الوجود الإيراني، سواء في العراق أو لبنان، دفع إيران إلى بحث إمكانية وضع حد إلى الاحتجاجات التي بإمكانها إفساد كل ما حققته خلال السنوات الماضية، ووضعت خطة متكاملة للتعامل مع تلك الاحتجاجات ووأدها، وبدأت في توزيع الأدوار والمهام على أذرعها في كلتا الدولتين؛ لاستخدام كل السبل الممكنة للتعامل مع الغضب الشعبي للمحتجين وإجهاض التظاهرات.

وشرعت إيران في تنفيذ مخططها بالعراق، حيث وجهت ميليشيات الحشد الشعبي إلى ضرورة إطلاق التهديد والوعيد للمتظاهرين ومحاولة إرهابهم؛ بهدف منعهم من نزول الشارع، ليطل فالح الفياض، رئيس ميليشيا الحشد الشعبي، ذراع إيران في العراق، على المتظاهرين ويحذرهم من أن قواته جاهزة للتدخل لمنع ما أسماه «أي محاولة للانقلاب أو التمرد في العراق»، وزعم أيضًا أن خروج العراقيين إلى الشوارع لا يمثل سوى «مخطط فاشل» لإسقاط النظام، بل ووصل الأمر إلى الادعاء بأنه هناك مؤامرة تحاك ضد العراق وتهدف استقراره ووحدته.

وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية فضحت المحاولات الإيرانية لوأد الاحتجاجات العراقية، بعدما كشفت عن حضور قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اجتماعًا أمنيًا بدلًا من رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي في وقت متأخر من الليل بعد اندلاع التظاهرات بيوم واحد، مستقلًا طائرته الخاصة إلى المنطقة الخضراء، الأمر الذي فاجأ المسئولين الحاضرين بعدما كان من المتوقع أن يجتمعوا برئيس الوزراء العراقي، وتعهد الجنرال الإيراني خلال اجتماعه معهم بقمع التظاهرات مهما كلفه الأمر من ثمن ليتحول حديث «سليماني» إلى واقع، وفي اليوم التالي لزيارته اندفعت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن إلى منحنى أكثر عنفًا ووصل عدد القتلى إلى العشرات، وظهر أشخاص مجهولون بين المتظاهرين يرتدون ملابس مدنية وأقنعة سوداء استخدموا قنابل الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين.

أما في لبنان، ومع تصاعد موجة الاحتجاجات الرافضة للنفوذ والمد الإيراني داخل بلادهم والمنددة بسيطرة حزب الله المطردة على الحياة السياسية والرافعة لشعار «كلن يعني كلن.. ونصر الله واحد منن»، فانتفض أنصار حزب الله الموالي لإيران ضد المتظاهرين وشنوا هجومًا على المتظاهرين اللبنانيين في ساحة رياض الصلح التي تشكل معسكر الاحتجاج الرئيسية في العاصمة اللبنانية بيروت، ودمروا بعض الخيام الخاصة بالمتظاهرين وأشعلوا الحرائق فيها، كما اشتبكوا مع المحتجين في عدة مواقع ببيروت.

كما حاولت بعض الميليشيات التابعة لحزب الله وحركة أمل اقتحام ساحة الشهداء ببيروت، باستخدام الدراجات النارية رافعين شعارات تندد بالاحتجاجات، في وقت أعلن فيه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أنه لا يؤيد استقالة الحكومة اللبنانية بحجة أن البلاد ليس لديها متسع من الوقت لاتخاذ تلك الخطوة، وقال نصًا: «حركتنا مش بسيطة، إذا ننزل على الشارع ده مش قرار بسيط، يعني البلد كله بيروح لمسار مختلف».

من جانبه، قال فراس إلياس، أستاذ العلوم السياسية، مدير برنامج الدراسات الإيرانية، إن إنهاء «النفوذ الإيراني هو الهدف الرئيسى من المظاهرات التي تشهدها بغداد وبيروت في الوقت الراهن، وهو ما دفع إيران إلى أن ترمي بكل ثقلها من أجل إحتواء هذه المظاهرات»، مشيرًا إلى أن ذلك «يعكس طبيعة المخاوف الإيرانية من أن تؤدي هذه المظاهرات إلى تداعيات سلبية على مجمل المشروع الإقليمي الإيراني، خصوصًا وأنها تحدث في بلد يعد من ركائز النفوذ الإستراتيجي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، فإلى جانب الاستحقاقات الإقليمية التي يمكن أن تنتظر النفوذ الإيراني في المنطقة، يبرز استحقاق آخر وهو مستقبل محور المقاومة الذي تقوده إيران، إذ عبر العديد من المسئولين في الحرس الثوري الإيراني بأن إيران ستقف بوجه أي تظاهرات قد تشكل خطرًا على مستقبل مشروع المقاومة في المنطقة، وهو تصريح يعكس مدى الإنغماس الإيراني الأمني في هذه التظاهرات، إذ ليس من الممكن تجاوز إيران من معادلة تغير الأنظمة السياسية في العراق ولبنان، كونها لعبت دورًا كبيرًا في تهيئة جزءً من الطبقة السياسية في كل البلدين، وهو ما يجعل هذه المظاهرات تحمل الكثير من التحديات التي من الممكن أن تكون بإنتظار إيران».

وأضاف أستاذ العلوم السياسية: إلى جانب الأدوات الإعلامية التي عملت إيران على توظيفها خلال الفترة الماضية ضد المتظاهرين في العراق ولبنان، يمكن القول بأنها لم تستخدم بعد كل أدوات لعبها في العراق ولبنان، فإلى جانب الكيانات المسلحة التي من الممكن أن توظفها، هناك الأدوات الاستخباراتية والاقتصادية، والتي يمكن أن يتم اللجوء إليها في حالة ما إذا خرج الوضع السياسي في البلدين عن نطاق السيطرة الإيرانية.

وتابع: يمكن القول بأنه إلى جانب غرف العمليات التي انشأتها إيران في العراق مع بدء المظاهرات في 25 أكتوبر 2019، تحدثت العديد من المصادر الاستخبارية عن زيارة سرية أجراها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى جنوب لبنان أيضًا، والتقى مع العديد من قيادات حزب الله اللبناني من أجل اتخاذ إجراءات وقائية، يسعى من خلالها إلى الحفاظ على وجود حزب الله العسكري والسياسي في الساحة اللبنانية، كون الحزب هو جزء من معادلة إقليمية - إيرانية يتجاوز حدود الخلافات السياسية الداخلية في لبنان.

كما أوضح أن «غرفة العمليات التي تشكلت ضمت إلى جانب الملحق العسكري الإيراني في بيروت، رئيس جهاز الإستخبارات في حزب الله، إلى جانب العديد من القيادات الميدانية في الحزب، كما أنه هناك مصادر استخبارية أخرى تحدثت عن عزم حزب الله استدعاء العديد من عناصر ومستشاريه المتواجدين في سوريا والعراق إلى لبنان، ويمكن القول بأنه مهما كانت نتائج الإحتجاجات في كل من العراق ولبنان، فإن إيران لن تسمح لهياكل قوتها بالانهيار دون قتال».

واستطرد: إن الشعبين العراقي واللبناني تمكنا من فرض نفسهما كطرف قوي في المعادلات السياسية الداخلية، ولن تستطيع أي طبقة سياسية أن تتجاوزهما مستقبلًا، وامتلكا من الوعي السياسي ما قد يجعلهما رقمًا صعبًا في الاستحقاقات السياسية المقبلة، فضلًا عن نجاحهما بتشخيص سلبيات الدور الإيراني في كلا البلدين، والذي تعلمناه من دروس التاريخ، بأن النصر عادة ما يكون حليف الشعوب.

وفي نفس السياق، أكد المحلل السياسي أسامة الهتيمي لـ«فيتو» أن لدى إيران العديد من الأدوات التي يمكن عبرها إفشال هذه الاحتجاجات الشعبية في كل من العراق ولبنان يبرز في مقدمتها الأذرع والميليشيات والموالين لها والذين نجحت إيران عبر أربعة عقود تقريبا في أن تستقطبهم وتصنع منهم طابورا داعما ومؤيدا للسياسات الإيرانية ليس من منطلق الانحياز السياسي أو التبعية الاقتصادية، بل أيضا على المستوى الأيدلوجي؛ ليصبح لدى قطاع كبير من هؤلاء الموالين الاستعداد للتضحية بالنفس والروح من أجل الدفاع عن مصالح إيران ورؤيتها ومن ثم فإن هؤلاء سيتحركون في الوقت اللازم ووفق الحسابات الإيرانية من أجل تنفيذ ما يطلب منهم.

وأشار إلى أن الخطة الإيرانية المحتملة للتعاطي مع هذا الحراك يمكن أن تتخذ أشكالا متعددة بل ومتناقضة بحسب الحالة فالوضع في العراق يختلف عن الوضع في لبنان بل إن الحالة في البلد الواحد يمكن أن تتخذ مسارات متنوعة ترتيبا على التطورات وبالتالي فالعنف يصبح أداة فاعلة في بعض الأوقات وهو ما تم اتخاذه وشهده الجميع، كما أن التشكيك في وطنية هذه التظاهرات وأن القائمين عليها مدفوعون من جهات أجنبية لتنفيذ مخططات معادية لإيران ومحور المقاومة في حين أنه ومقابل تصاعد التظاهرات وتعاطف المجتمع الدولي مع ما يجري يمكن أن يكون ثمة بديل آخر عبر التهدئة ومحاولة الظهور في ثوب المتفهمين للمطالب الشعبية وأنه يجب الاستجابة لها ضمن ما أسماه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي بالأطر القانونية والتي يدرك الجميع أنها لا تعدو عن كونها محاولة للإبقاء على الوضع على ما هو عليه.

نقلا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية