كلنا ركاب وكلنا كمسارية!
بلا أدنى دهشة، إن الأمر كذلك.. كلنا راكب وكلنا مركوب. ولو تبادلنا الأدوار لرأيت وجوه الطغاة بعدما كانوا مستضعفين، ولرأيت وجوه المستضعفين وقد تبوأوا المناصب وكوشوا المكاسب وصارت لهم جهامة تعلو السحنة وتخوف مركوبيهم !
أهى الطبيعة البشرية المجبولة على الافتراء والتجبر وسفك الكرامة والدماء؟!
أم هي خصيصة خلقية أخلاقية بالمصريين؟ الملائكة سألوا الله يوم أنبأهم بخلق آدم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟
قال لهم إنى أعلم ما لا تعلمون.
نعم يا رباه إنك تعلم ما لا يعلم الملائكة ولا الجن ولا الإنسان. وحدك عالم الغيب وعالم الشهادة. وحدك تعلم ماذا طرأ على آخر نسخة من المصريين.. سفور وفجور وغلظة وبداوة وقسوة. لا تغير ما بنا حتى نتغير. تركتنا لغرائزنا الحيوانية. أعقاب؟! أترانا نسينا ديننا؟
المساجد ملأى، والزوايا ملأى والكنائس ملأى.. والشعائر تقام والقرآن يتلى والمشايخ نجوم ساطعات لامعات قابضات صارفات مسخرات! (بتشديد السين والخاء) ما يقع بنا ومناعلينا، هل يمكن تفسيره تفسيرا غيبيا مريحا في سياق الغضب السماوى على كل سكان المنطقة، من إيرانها لمغربها... وما بينهما: مصر وليبيا وتونس والجزائر واليمن والخليج ولبنان.
لكن هل استثنت السماء رأس إبليس إسرائيل، وذيل ابليس تركيا، ومؤخرة إبليس قطر؟ ما هذا الذي نفعله بأنفسنا؟ من أي بئر مسمومة نرتوى القسوة ونعبها عبا ونطفحها على الغير بتلذذ وسادية؟
العنف الاجتماعى متلازمة مرضية للزلازل السياسية. التلاعب بالدين وتوظيفه سياسيا ودمويا وجعله المبرر الشرعى لارتكاب جرائم الذبح وهتك الأعراض وتكميم الأفواه وبيع النساء جعل الناس ينظرون إلى السماء بلهفة المستغيث يستدعون رب الدين..
رب الدين اختارها فتنة.. نحن في فتنة النفس..
في أوقات الأزمات ينسى أهل الكرب ما ذكره الرب: يمهل ولا يهمل.
يمد لهم في طغيانهم يعمهون.
وقع إلحاد ننكره، بسبب من الكذب باسم دين الله.. لعنة الله على الإخوان تجار الفتنة وسبب الإلحاد الأول والأخير. حين تخفت شمس الدين، ويحل غروبه في النفوس، تصير الأرض مرتعا للذئاب فتعوى وتستقوى.
هكذا كان الكمسارى في بيئته الطبيعية. هو في الغابة. هو لم يكن في قطار فاخر فخيم vip. هو كان الصياد والبائع كان فريسته المنشودة. المسألة لم تكن ابدا تذكرة. كلا. كانت الغريزة في أوج احتياجها الوحشى!
ثم نتبادل الأدوار. الذئب في الغابة يظهر له الأسد، فيتحول الذئب إلى كلب، والأسد يشيخ ويبرز له أسد شاب، فيؤدبه ويحوله إلى لبؤة عجوز. ماكيت الغابة هو واقع الحياة الاجتماعية المصرية حاليا. القوة والغريزة ومتعة الإذلال.
انظر كيف يتحول الموظف الحكومى المصرى إلى ملاك نازل من السماء لتوه، بجناحين طازجين من اللطف ومن الرقة، حين تذهب إليه بعد تليفون من واسطة قوية أو آمرة له وناهية؟ تتذلل لك كل البوابات، وتنتهى الحاجة إلى أية أختام وأوراق ومواثيق!
انظر لو أنك كنت قريبا له في إدارة كهرباء أو مياه أو جوازات. أو في إدارة محكمة أو في مصلحة حكومية.. أو على بوابة المطار.. سبحان من يغير ولا يتغير. ستحسب انك في الجنة! وستنظر بعين الشفقة والأسى على من تراه يلقى معاملة المذنبين، يقف في الطابور وسط الزحام، لأنه ليس قريبا ولا له واسطة من مال أو أو سلطة!
هل نخاف ربنا حقا؟ أم ندعى أننا نخافه ونرجو رضاه والجنة؟
لأننى أخاف الله سأقول الحقيقة: نحن ندعى أننا كذلك وأننا مسلمون! لعل الله يجازينى على أنى قلت ما يعلمه سبحانه. قلت الحقيقة. نحن مدعون. ولا صلاح لنا الإ بصدق النفس معنا ومع غيرنا. وحتى ذلك الحين المجهول سنبقى نفس الكمسارى ونفس الراكب. ونتبادل القفز والتجبر!