رئيس التحرير
عصام كامل

صحفيون.. ورقباء


دعونا نتفق على أن الرقابة الأمنية على الصحف تتعارض مع حق المواطنين فىي المعرفة، ومع أسط قواعد الديمقراطية، ولكن هذا لا ينفى الأمر الواقع.. وأن الرقابة تطبق في كل العصور السابقة، ماعدا فترات محدودة.


والملاحظ أن رؤساء التحرير الأكفاء كان بمقدورهم الموازنة بين تعليمات السلطة التي تنفذها الأجهزة الرقابية وبين الحفاظ على المهنية، والاهتمام بالقضايا التي تهم الشارع وتخصيص صفحات من الصحيفة للدعاية للحاكم.

ومن جانبهم القراء أقبلوا على الحصول على الصحف وزاد توزيعها رغم وجود الرقابة، فقد كانت المواد التي تجذب القارئ تتم صياغتها بأقلام محترفين كفيلة بأن تشجع القراء على شراء الصحف.

وأمر الرقابة في عهد الرئيس "جمال عبدالناصر"، كان موكولا لهيئة الاستعلامات، يلتزم الرقيب بالحضور في مواعيد محددة، ولا يمر خبر أو مقال إلى المطبعة بغير توقيعه. وكانت التعليمات بالمحظورات محددة ولا ينشغل الرقيب بأمر سواها، ويترك باقى الموضوعات -الموضوعات الاجتماعية والثقافية- لرئيس التحرير.

ولأن هؤلاء الرقباء كانوا على علاقة بمهنية الإعلام، فقد تميز بعضهم بالأفق الواسع والتفاهم على تمرير بعض الموضوعات، إذا ما تم حذف عبارة أو إضافة أخرى بما لا يتعارض مع التعليمات اليومية، التي كانت متغيرة من يوم لآخر، فما يسمح به اليوم، يحظر غدا، وهكذا.

وكان الصحفى الكبير "موسى صبرى" الذي أبعد في فترة معينة من الأخبار للجمهورية في ظروف ليس هنا مجال الحديث عنها، كان يتميز بقدرات خاصة على إعادة الصياغة للموضوعات المرفوضة بما يتيح تمريرها رقابيا. ولم يكن خافيا على أحد أنه كان يمقت الرقابة ويتفهم موقف الرقباء فىي نفس الوقت.

ورغم قسوة الرقابة لم يتوقف "موسى صبرى" الأستاذ في المهنة عن تطوير الجمهورية وإضافة ملحق للمرأة جذب آلاف القراء.. واهتم بالقضايا التي لا يتدخل فيها الرقيب.. مثل الثقافة والفن والجريمة وخصص مساحات لشكاوى القراء ومتابعتها. فعل كل ذلك وهو مغضوب عليه من السلطة ومبعد من وظيفته وممنوع من الكتابة، لاأنه لا يستطيع إلا أن ينحاز إلى المهنة.. ولا يتخلى عن الصحفيين الأكفاء.

وجاء "السادات" ليهدم السجون ويفرج عن المعتقلين، ويلغى الرقابة الأمنية، وإن كان يحمل رؤساء التحرير المسئولية عما ينشر، وما يمنع. وتولى "موسى صبرى" المقرب من الرئيس، والمعبر عن سياساته والمهاجم لخصومه رئاسة الأخبار، وأدى دور الرقيب بكفاءة! ولكنه لم يتخل عن المهنية سواء في اختيار مساعدينه من بين الأكفاء وحدهم، أو طرح كل القضايا التيي تهم الشارع، وأشعل المنافسة مع الصحف الأخرى في الحصول على الانفرادات.

ورغم كل الأخطاء والخطايا السياسية التي ارتكبها هذا الجيل من الصحفيين الكبار إنما يحسب لهم أنهم حافظوا على مبادئ المهنة وفرضوا عشرات الصحفيين الأكفاء.
الجريدة الرسمية