قصة بطل بورسعيدي لا يعرفه أحد
إذا دخلت أيا من السفارات الإيطالية بجميع أنحاء العالم، ستجد صورة بطل مصري، يكاد يكون مجهولًا في مصر.. هو الجندي البورسعيدي "السعيد حمادة".. فما هي قصته؟
ووفقا لصحيفة "دومينكا دلكوبر" الإيطالية، حدثت وقائع قصة البطولة في نوفمبر 1956، أثناء العدوان الثلاثي الغاشم على مصر.. حيث لمحت على باب القنصلية، جنديا مصريا مكلفا بحراسة القنصلية يقف في ثبات وعلى وجهه ملامح جامدة، كان الرصاص يمرق من حوله والشظايا والقنابل تنفجر على بعد أمتار منه..
تحرك قلب القنصل الإيطالي على الجندي المصري، فخرج إليه، وطلب منه أن يدخل ليحتمى من الخطر بمبنى القنصلية، متعهدًا له بأنه يعفيه من مهمة الحراسة، ولكن الجندي البطل رفض أن يتخلى عن واجبه، وقال للقنصل الإيطالي: هنا مكانى، ولن أغادره أبدًا وتفضلوا أنتم بالدخول لتحتموا من القصف".
لقد بذل "حماده" روحه في سبيل دوره الوطني في حماية الجالية الإيطالية المقيمة في وطنه، حتى لا تتعرض لأى ضرر جراء القصف المجنون. ومن منطلق اعترافها بالجميل، توجت الجالية الإيطالية ذلك الدور البطولي للمجند البورسعيدي "السعيد حمادة"، بأن وضعت صورته في جميع مقرات السفارات الإيطالية بجميع بلدان العالم.
فور بدء غارات العدوان الثلاثي، تحولت مدينة بورسعيد بأكملها إلى خلية مقاومة نشطة ضد الغزاة، حيث فتحت مخازن السلاح لأبناء الشعب ووُزع على المتطوعين ما يقرب من نصف مليون قطعة، وحمل القادرون من الرجال من سن الخامسة عشرة وحتى الخمسين الأسلحة دفاعًا عن تراب الوطن.
ولم يقتصر الدور الوطني في بورسعيد على جنود الجيش أو رجال الحرس الوطني أو حتى أفراد المقاومة الشعبية الباسلة بل تعداه إلى أفراد الأمن، الذين برز منهم اسم الشهيد "السعيد حمادة".
فقد كان الشهيد مكلفًا من قبل قادته بحراسة القنصلية الإيطالية في بورسعيد، وسرعان ما وجد نفسه في أتون العدوان على المدينة والتي تعرضت لقصف جوي عنيف لم يفرق بين هدف مدني أو عسكري. ويصف مراسل الجريدة الإيطالية المشهد بقوله: "النيران اشتدت بعد ذلك وارتفعت ألسنة اللهب في كل مكان وانمحت أحياء بأكملها على أرض بورسعيد وسقط الشهداء بالمئات، خرجنا نتفقد آثار المعركة، وعلى باب القنصلية تسمرت أقدامنا فقد كان المشهد قاسيا للجندى المصرى البطل، وقد تمدد جسده على الأرض بلا حياة وسط بركة من الدماء، ويده اليمنى تقبض في إصرار على سلاحه".
وكانت مشاعر الحزن والفقد تسيطر على أبناء الجالية الإيطالية وهو يحملون جسد البطل المصري الذي قدم روحه وهو يصر على حمايتهم حتى الرمق الأخير.
ورغم أن قصة الشهيد "حمادة" لم تنل ما يليق بها من اهتمام إعلامي، إلا أن الفن خلد اسمه في أغنية ما زالت تتردد كلماتها في جنبات بورسعيد.
ألهمت قصة "حمادة" الشاعر البورسعيدى "كامل عيد"، الشهير بشاعر المقاومة، والذي كان أحد الذين حملوا السلاح دفاعًا عن مدينته في عام 1956 وأسس في أعقاب 1967 وإبان حربي الاستنزاف وأكتوبر 1973، فرقة "شباب النصر" التي استخدمت فن السمسمية وموسيقى الضمة التقليدية المعروفة لسكان مدن القناة لتقديم أغان وطنية هدفها شحذ همم الجنود والمدنيين على حد سواء، أثناء تلك الفترة المجيدة من تاريخ مصر.
ما أن سمع "كامل عيد" بقصة "السعيد حمادة" حتى سطر أغنية بعنوان "بلدي يا بلد الفدائيين".. تقول كلماتها: "بلدي يا بلد الفدائيين.. بلدي يا بلد الثوريين.. بافخر بيكي في كل مكان.. واحلف بيكي بألف يمين".