رئيس التحرير
عصام كامل

حقيقة المملكة المزعومة على حدود مصر الجنوبية

فيتو

قبل أسابيع وتحديدا في الخامس من سبتمبر الماضى، ظهرت سيدة أمريكية من أصول لبنانية تدعى نادرة نصيف، في مقطع فيديو بثته على حسابها الشخصى على موقع "تويتر"، لتعلن عن قيام دولة مزعومة تحت مسمى "مملكة الجبل الأصفر"، داخل الأراضي السودانية على حدود مصر الجنوبية.


وتحدثت السيدة التي نصبت نفسها رئيسا لمجلس وزراء مملكتها الوهمية، عن الدولة المزعومة باعتبارها وطنا وملجأ للمهاجرين العرب والمسلمين، الذين ينزحون من بلادهم ليواجهوا المجهول في دول أوروبا وغيرها، ولم تكتف بذلك بل حددت موقع تلك الدولة على الأراضى السودانية وعلى الحدود المصرية، بمساحة تصل إلى 2060 كيلو مترا مربعا.. ترى ما هي حقيقة تلك المملكة المزعومة؟ وأين تقع بالضبط؟ ولِمَ اختارت نادرة نصيف ذلك الموقع لدولتها الوهمية؟ إجابات هذه التساؤلات وغيرها في السطور التالية:

"الجبل الأصفر".. المملكة الوهمية
في البداية كشفت هايدي فاروق، مستشار قضايا الحدود والسيادة الدولية، أن النطاق الجغرافى لتلك الدولة الوهمية التي أطلق عليها "مملكة الجبل الأصفر"، وفقا لما قالته نادرة نصيف، يقع أسفل خط عرض 22 جنوب مصر، أي داخل الأراضى السودانية وفقا لاتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر والسودان عام 1899، وهي الاتفاقية الرسمية المعتمدة من هيئة الأمم المتحدة، وتتخذ أرض تلك المملكة شكل شبه منحرف يبلغ طول ضلعه الشمالي 95 كيلو مترا يتماس مع الحدود المصرية، وضلعه الجنوبي يمتد لمسافة 46 كيلو مترا، أما ضلعاه الشرقى والغربى، فيتراوح طولاهما بين 26، و31 كيلو مترا، وبذلك تصل المساحة الإجمالية للمملكة المزعومة نحو 2060 كيلو مترا مربعا.

وعن سبب اختيار تلك المنطقة لتكون مقرا للمملكة المزعومة قالت هايدى فاروق: "المنطقة المشار إليها تسمى "بارتازوجا" وتقع داخل الأراضى السودانية بالكامل وتخضع للسيادة السودانية ولم تنازعها مصر عليها عبر التاريخ، غير أن مصر كانت تدير شئون القبائل المصرية الموجودة في تلك المنطقة وتحدد حقوق الانتفاع بمياه الآبار لهم، وفقا لقرار ناظر الداخلية المصرى الصادر عام 1902، وقد انتهت تلك الحقوق وزال أثر القرار المشار إليه بمجرد قيام مصر وإنجلترا بمنح السودان حق تقرير المصير عام 1953 ثم ظهرت ادعاءات ومزاعم سودانية تشير إلى أن خط عرض 22 الفاصل بين مصر والسودان، ليس مستقيما على امتداده، بل إنه متعرج في بعض المناطق، بحيث ينحرف جنوبا ليضم منطقة "بارتازوجا" للأراضى المصرية، ثم ينحرف شمالا ليضم مثلث حلايب وشلاتين للأراضي السودانية".

وأضافت هايدي فاروق: "قطعا هذه الادعاءات باطلة ولا أساس لها على أرض الواقع، ولم تتطرق لها أي معاهدة أو اتفاقية خاصة بترسيم الحدود بين البلدين، ومن ثم أصبحت المنطقة المشار إليها – نظريا – بلا صاحب، بعد أن تحدثت السودان عن أنها ليست من أراضيها، وفى ذات الوقت تؤكد كافة المعاهدات والمواثيق الدولية أنها لا تتبع الأراضى المصرية، فكانت النتيجة أنه بين الحين والآخر تظهر جماعة أو شخص يدعى أن تلك المنطقة هي أرض دولة جديدة أو مملكة يجرى الإعداد لإنشائها، بغرض توطين اللاجئين والمشردين وعديمي الجنسية من مختلف دول العالم خصوصا الدول العربية بها".

ماء وذهب
وأشارت المستشارة هايدى فاروق إلى سبب آخر ربما كان دافعا للبعض كي يعلن قيام دولة في منطقة "بارتازوجا" السودانية على الحدود المصرية، وهو وجود مورد للمياه المستدامة والمتجددة بالمنطقة كما تشى صور الأقمار الصناعية، على عكس ما يروج له البعض من أنها منطقة صحراوية قاحلة، ما يساعد على القيام بالأنشطة الحياتية المختلفة.

ولفتت إلى ما كشفت عنه بعثات أثرية سابقة زارت المنطقة وأجرت دراسات وأبحاث عنها في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، من وجود مناجم قديمة للذهب، وقد جرت عمليات تنقيب واسعة عن المعدن الأصفر في عصور سابقة، والدليل على ذلك وجود بقايا أكواخ المنقبين، كما تم إعداد خرائط تفصيلية لبعض المناطق التي ربما تحتوى على الذهب بكميات كبيرة.

ووفقا لما قالته مستشارة قضايا الحدود، فقد أغرى الذهب والماء في منطقة بارتازوجا العديد من الأشخاص، فأعلنوا قيام دولة بها، ومن بينهم شخص طرح فكرة إنشاء دولة في المنطقة اسمها "مملكة السلام"، وبدأ في جمع الدعم المادى العربى لإنشاء مملكته، على اعتبار أنها ستكون مأوى لمجموعات البدون من دول الخليج، وطالبى اللجوء والمهمشين، وهنا تكمن الخطورة، فمن الممكن أن تلجأ العناصر الإرهابية والمتطرفة إلى تلك المنطقة وتتخذ منها مسرحا لتجهيز عملياتها العدائية ضد الأبرياء.


أما الدكتور أيمن سلامة الخبير في في القانون الدولى، فقد أكد في تصريحات سابقة أن عدم تحرك السودان أو اتخاذها لأى إجراء تجاه الأقاويل والمزاعم التي تتردد بين الحين والآخر عن إقامة دولة جديدة في منطقة بارتازوجا أو بئر الطويل، لا يعني أن تلك المنطقة ليست تابعة لأراضيه، فقد سبق وأن تقدمت دولة السودان بمذكرة احتجاج رسمية لدى مجلس الأمن الدولى، ضد إعلان ما يسمى مملكة شمال السودان منذ عشر سنوات أو أكثر، وهذا يعنى إقرار السودان رسميا بسيادته على منطقة بارتازوجا أو بئر طويل، وإن كان صمته على الإعلانات المتكررة التي تشير إلى احتلال جزء من أراضيه وإقامة مملكة أو دولة عليه يدعو للريبة والشك.


من جانبه حذر الدكتور هاني رسلان رئيس بحوث السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، من أن "مملكة الجبل الأصفر خنجر مسموم في خاصرة مصر والسودان"، مضيفًا على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أنه سيترتب على ذلك "مخاطر وتعقيدات لا حدود لها، وعلى الجميع عدم الاستهانة بتلك القضية أو التعامل معها باستخفاف حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه.

محاولات فاشلة
ليست هذه هي المرة الأولى بالدعوة لقيام دولة في منطقة بارتازوجا أو " بئر الطويل " فبالعودة إلى 6 يونيو عام 2014، توجه الأمريكي جيرميا هيتون للمنطقة ذاتها، بصحبته علم مطبوع على نسيج أزرق يضم تاج وثلاث نجوم لامعة، ليعلن قيام "مملكة شمال السودان" بناء على رغبة ابنته البالغة من العمر 7 سنوات.. وفقًا لتقرير أعدته صحيفة واشنطن بوست في يوليو من العام ذاته، بدأ الأمر عندما أعربت الصغيرة عن رغبتها في أن تُصبح أميرة حقيقية، فهل يُحطم الوالد قلب الصغيرة؟! لا، بل توجه إلى لوحة مفاتيح حاسوبه بحثًا عن الأراضي غير المُعلن تبعيتها لدول معينة حول العالم، اهتدى وقتها ابن ولاية فيرجينيا الأمريكية إلى بئر طويل وقرر إعلان سيادته عليها.

وفى عام 2017، اصطحب سوياشي ديكسيت، وهو شاب هندي سارية ونسيج بلوني الأحمر والأصفر وبعض النقوش إلى نفس المنطقة، معلنا عن مملكة "ديكسيت"، لمؤسسها سوياشي الأول، الذي نشر بيان تأسيسها على موقع فيس يوك، قائلًا :" أتعهد بمواصلة العمل لرخاء شعب البلاد وهذا الوطن".

مزاعم الاعتراف والتأسيس

وزعمت إحدى المواقع الإخبارية، أن مملكة الجبل الأصفر حصلت على اعتراف ضمنى من عدة دول بينها بلدان عربية خليجية، مؤكدة أن المعني بمركز الاتصال الدولي بالمملكة، أن دولا وجهات مانحة ستؤمن مبلغا يصل إلى 51 مليار دينار، لتشييد البنية التحتية والمساكن والحدائق والمدارس وغيرها، وبحيث تكون جاهزة بحلول نهاية العام 2020، وسيجري الاستعانة بخبرات وموارد مصرية وسودانية لتنفيذ مشروعات ضخمة بالدولة الجديدة.
الجريدة الرسمية