٥٧٣٥٧ .. العودة الغامضة
على مدار عقود طويلة عملت بصحيفة "الأحرار" أول صحيفة معارضة مصرية في التجربة التعددية الثانية، وكم تناولنا قضايا فساد وكم حققنا انتصارات للوطن وللمواطن، وأزحنا من طريقنا العديد والعديد من المفسدين، وأشهد أننا ما تناولنا ملفا وقيل لنا إنه محذور إلا ما حيل بيننا وبينه بقرارات حظر النشر التي كان في معظمها لها ما يبررها، ومع ذلك كنا نقاوم هذه القرارات وفق ما رسمه القانون.
غير أن فساد ما بعد ثورة يناير العظيمة له طعم آخر، وأخص هنا بالذكر حملتنا على الفساد الإداري بمؤسسة مستشفى ٥٧٣٥٧ التي قادها الكاتب الصحفى الأستاذ "أسامة داوود" وشاركت فيها عدة صحف، وأسهم فيها بشكل فعال السيناريست المبدع "وحيد حامد"، ومع أن الدنيا انقلبت رأسا على عقب ومع ظهور بيان هزيل من وزارة التضامن غطى على الفساد، وقدم له الحماية، لم نتوقف عن النشر إلا بعد صدور قرار معيب بحظر النشر من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو ما ألغاه المستشار النائب العام.
اختفى السيد "شريف أبو النجا" لفترة غير قصيرة عن المشهد، وظننا أن الدولة متمثلة في أجهزتها الرقابية ستتخذ ما من شأنه إعادة الشفافية والثقة التي ظلت غائبة لسنوات طويلة عن المستشفى، وعائلة أبو النجا ورفاقه وأصدقائه الذين يديرون هذا الصرح وفق نموذج إداري عفن، خاصة وأننا تقدمنا ببلاغات لم ينظر إليها حتى حينه دون مبرر أو سبب منطقى يحمى ٥٧٣٥٧، ذلك الصرح العظيم الذي ابتناه المصريون بأموالهم وليس لغيرهم فضل في ذلك.
عاد مرة أخرى السيد "شريف أبو النجا" يطل برأسه من خلال حملات إعلانية مكثفة مستخدما في ذلك كل أدوات المجتمع المؤمنة برسالة المستشفى، دون أن يقول لنا مسئول واحد لماذا يستمر "أبو النجا" وعائلته في إدارة هذا الصرح، ودون أن تعلن لنا وزارة التضامن عن الإجراءات التي اتخذتها للحيلولة دون تكرار مشاهد الفساد التي دونتها حملتنا مع كتاب كبار من مؤسسات صحفية أخرى؟
القضية بالفعل مثيرة للغاية، فمن هو "شريف أبو النجا" وما هي مصادر قوته لكي يستمر رغم كل ما كتبنا ورغم كل ما تناولناه في ملفات صارخة، ودون الإعلان عن النتائج الحقيقية لتقرير اللجنة الطبية الفنية التي قادها واحد من رموز الطب ونبلائه في مصر وهو الأستاذ الدكتور "أحمد شقير"، ونظن أنه تقرير فاصل ومهم وخطير حول التجارب السريرية التي أجريت دون وازع قانونى على أطفالنا الذين شاءت أقدارهم أن يكونوا مرضى بالمستشفى المذكور.
إن الصمت وعودة "أبو النجا" مرة أخرى لقيادة هذا الصرح أمر بالغ الغرابة والدهشة لامبرر أخلاقى له، ومن شأنه أن يثير في نفوس الناس ماهو أبعد من الفساد، وقد يقفز إلى خانة حماية الفساد ونظنها رسالة عبث بمقدرات وبأموال الناس الذين يرغبون بالفعل في مؤازرة المستشفى حماية لأطفالنا من غول السرطان، وهو ما ندعو الجماهير للاستمرار فيه، غير أن هذه الاستمرارية مرتهنة بشفافية لن يكون لها مكان طالما استمر "أبو النجا" ورفاقه فيها.