رئيس التحرير
عصام كامل

البــقــــاء لـــــلأتــــــنــــح


التناحة والكذب أصبحا هما السلوك الذى يحكم ويتحكم فى جميع مؤسساتنا وبالتالى كل من يحاول أن يصل أو يتعامل مع تلك المؤسسات ويريد أن يكون له دور بارز فيها فلا بد أن يُجيد فن الكذب وتجميله وفن التناحة فهى الصفات الأساسية الآن لإدارة البلد.


فليس مهمًا أن يقوم الناس بمظاهرات سلمية كانت أو غير سلمية المهم أن تكون أذن الرئيس لاتستمع لتلك المظاهرات أو تُترجم داخله على أنها مظاهرات تأييد ويظهر ليُحيى المتظاهرين ويعدهم بمزيد من العطاء أو تأخذ التناحة مداها ويظهر مؤيدون لما يقول أو سوف يقول أو مؤيدون لكل مايفكر فى أن يقوله للشعب محاولين إظهار المعارضين على أنهم قلة مندسلة أو فلول أو أى مسمى يخترعونه.

هذه التناحة ياسيدى لا يمكن أن تظهر أو تنمو فى مجتمع راقٍ أبدًا وذلك لأن المجتمعات الراقية تحكمها المؤسسات الكبرى وإذا تغلغلنا داخل هذه المؤسسات سنجد أنها بُنيت على أساس من الفولاذ الذى لا يصيبه الصدأ أبدًا ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمؤسسات أخرى داخل الدولة تدور بانتظام ووفق معايير ومقاييس وضعت لتتوافق مع بعضها البعض من أجل رفاهية المواطن فى الأساس وبالتالى تقدم الوطن وكأنه تروس تُدير بعضها البعض تهرس من يحاول إيقافها أيًا كان مركزه داخل الدولة حتى لو كان الرئيس نفسه هذه المؤسسات هى التى تفرض على الرئيس مهامه وليس العكس وهنا تكون الأرض غير صالحة للتناحة أو الاستغفال .

لذلك نجدهم هنا يحاولون هدم كل المؤسسات القوية لفرض سطوتهم وإخراس الشعب ونشر الأكاذيب التى يصعب على كثير من الناس الحكم عليها حين تقال وينتظرون صدقها وربما إذا سمح الوقت لمعرفة حقيقتها يكون قد فات أوان الصراخ والمعارضة.

بعض الناس وهم كثيرون لا يستطيعون قراءة تاريخ من يكذب لأخذ الحيطة والحذر من كذبه وعدم قبوله فمن الغباء أن نستمع إلى كذاب يقول أمهلونى فرصة لإثبات صدق قولى ويكون لديك كل المعطيات التى تثبت كذبه فإمهاله الفرصة غباء وكأن شخصًا يقول لك سأقتلك دون أن تشعر وستظل حيًا وإن مُت سأُعطيك سلاحى لتقتلنى .. أى اتفاق هذا فالموت يأتى مرة واحدة فقط ولا يقبل التجربة فاختيارهم هو الموت بعينه.

ضعفت الأبصار وأصبحنا نرى الأشياء باهتة وتغلظت جُلُودنا وسُدت أُنوفنا فأصبحنا لا نستشعر الخطر القادم ولا نشم رائحة الحريق الذى شب فينا .

ويثير غيظى كلام أسمعه من بعض المثقفين المنحازين إلى التنظيمات الإسلامية وهم يقولون نحن لسنا سوريا ولسنا ليبيا ولسنا العراق.

لماذا ياسادة نرى التجارب واضحة جلية ولا نتخذ حَذرنا ألم تكن هذه بلدنا جميعًا فإذا عمَّ الخير فسيعم على الجميع وإذا أتى الهلاك فسَنُهلك جميعًا بكل طوائفنا فلما الغفلة .

فهل تعتقدون أن هذا هو الإسلام؟ وأن ما يمارس الآن من قواعد الإسلام؟ نعم فقد لبس الجهلاء ثوب العلماء وأخذوا مكانهم فكانت هذه هى النتيجة .. مسلمون بلا إسلام وعلماء بلا علم ومثقفون بلا ثقافة .

وأبحاث علمية بلا هدف وزرع بلا حصاد ومن كان منا يتحرى الدقة فى عمله فللأسف يصبح فى بلدنا فى المؤخرة لأنه ممن يعمل ويجتهد، يخطئ ويصيب، أما من يمشى مع الموضة فإن كذبه دقيق متساو وأجمل من الحقيقة فكلنا نكذب حتى أصبح الكذب هو الحق وندافع من أجل كذب اخترعناه باستماتة حتى يفرض نفسه بين الناس ويتوهوا بين طياته فتعمى أبصارهم عن رؤية الحق الجلى.

وللأسف كلنا مارسنا الكذب طيلة عمرنا.. عشناه فى المدرسة إلى الجامعة وفى الحياة العملية فكيف نصدق غيره فنحن لا نعرف غير الكذابين والتنحاء فالبقاء فى مصر أصبح للكذابين، والفوز سيكون من نصيب الأتنح ولك الله يا مصر.

الجريدة الرسمية