تقزيم الكبار.. "غنيم نموذجًا"!
إهانة ذوي العقول الراجحة من أهل العلم والخبرة والرأي والخلق الكريم، وتشويههم وتجريحهم والتشهير بهم، "عادة مصرية أصيلة"، يمارسها "الصغار"، منذ عقود طويلة، تقربًا وزُلفى لـ"أولياء النعم". لا عُرفَ ولا خُلقَ ولا دينَ يقرُّ التطاول بـ "فُحش الكلم ورديء الوصف" على القمم السامقة، والعلماء الأكابر؛ انتقامًا منهم؛ لأنهم يطرحون رؤى مختلفة عن السائد، ويمتلكون الجرأة على قول كلمة "لا"؛ ليس بحثًا عن شهرة، ولكن تعظيمًا لمصلحة الوطن، ولا شيء سوى ذلك.
الدكتور "محمد غنيم" رائد جراحة الكلى في مصر، وأحد روادها على مستوى العالم، وصاحب المسيرة العلمية والإنسانية والأخلاقية الناصعة، تم استدراجه إلى أحد البرامج التليفزيونية، الأسبوع الماضى، فلم يفعلْ مثل رجال هذا الزمان الذين دأبوا على النفاق والتملق، فانتقد أوضاعًا لا تروقُ له ولغيره، وطرح أفكارًا مختلفة. كان الرجل مُهذبًا مؤدبًا راقيًا في أطروحاته، فمثله لا تعرف البذاءة إلى لسانه سبيلًا. وحتى عندما ذكر معلومة غير دقيقة بشأن "نادي القضاة" لم يستنكف من الاعتذار، فالاعتذار من شيم أهل الفضل، و"غنيم" أبرزهم بلا جدال. والتطاول من صفات الأراذل.
في اليوم التالى لظهور "غنيم" تليفزيونيًا، وحتى كتابة هذه السطور.. لم يتوانَ المتنطعون والمتطوعون والمُرجفون في المدينة، عن التعريض بالرجل، غمزًا ولمزًا وسخرية واستهزاءً. وتحوَّل العالم الجليل، بين عشية وضحاها، إلى مرمى لبذاءاتهم. كل واحد يحاول أن يثبت عبر منبره الإعلامي، أنه أكثر بذاءة من عموم أقرانه، ومَن عَدَمَ الوسيلة الإعلامية، نشر تجاوزاته بحق الرجل عبر حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى، وبعض "الصغار" لوَّحوا بملاحقته قضائيًا، وكأنه اقترف جُرمًا كبيرًا وذنبًا عظيمًا.
حقيقة الأمر.. أنَّ مثل هذه البذاءات لن تقتصرَ على "غنيم"، ولكنها سوف تطالُ وتشمل كل من يحذو حذوه في التعبير عما يعتمله صدره، بهدف إسكات أي صوت حر، أو رأي مختلف، حتى لو كان له وجاهته ورجاحته وعقلانيته ووطنيته.
إذا اعتبر الشتَّامون "غنيم" معارضًا، فهذا حقه، لأنَّ الرجل يعارض من فوق أرضية وطنية خالصة، فلم يذهب إلى منابر الخصوم والأعداء وكارهى مصر، ولكنه قال رأيه عبر وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، فلا يصحُّ تحريض "الصغار" عليه، ظنًا منهم أنهم قادرون على النيل منه وإحراجه وتشويهه أمام الرأى العام الوطنى، الذي يحمل له ولأقرانه من الوطنيين الخالصين المخلصين توقيرًا كبيرًا. كما أن الاختلاف ليس عيبًا أو نقيصة، فأكثر البلاد تخلفًا هي التي تفتقد إلى قيمة المعارضة وفضيلة الاختلاف. وأعظمها ديمقراطية التي لا تطارد المعارضين أو تلاحقهم أو تعمل على تجريسهم.
إساءة الأدب مع "غنيم" وأقرانه، ممن لا تستهويهم سياسة القطيع، ليست ذكاء ولا نضجًا، ولا ينبغى أن تكون سياسة مُتبعة ومُمنهجة ومستمرة؛ لأنها عارٌ على من يأمر بها ومن يأتمر بها، أو من يتطوع من تلقاء نفسه لتنفيذها، مسحًا للجوخ، ولعقًا للأحذية، واسترضاءً لأسياده.
الوطنُ.. "بمفهومه الواسع والكبير" لن يستفيد شيئًا مذكورًا من إسكات "غنيم" وجميع أصحاب الآراء والرؤى، وتقزيمهم وإهالة التراب عليهم، وإظهارهم في صورة المغرضين والجاهلين والذين لا يريدون لوطنهم خيرًا.
رفقًا بـ "الكبار"، لا تحرضوا عليهم "الصغار" ولا "النائحات المستأجرات" ولا "المواطنين الشرفاء"، ارفعوا أيديكم عنهم، فهذا واللهِ لا يليق بوطن كبير مثل: مصر. بلادنا يجب أن تكون نبراسًا ونموذجًا في الحضارة والرقى والإنسانية واحترام "الكبار" وتوقيرهم وإنزالهم المنزلة التي يستحقونها.