رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير السياسي


مبدئيًّا الشكر واجب للدكتور "مصطفى مدبولي" وحكومته على الجهد والإنجازات والإصلاحات التي تحققت، والتي لم تكن تجرؤ حكومة في تاريخ مصر أن تقترب منها، ولست ممن يحملون تلك الحكومة مسئولية الفراغ السياسي حتى يتبارى الجميع في توجيه سهام النقد لكي تحاسب على مشاريب الآخرين، خاصة وأن تلك الحكومة التزمت بعدة مهام تم تكليفها بها منذ اليوم الأول، وكانت في كل دورة انعقاد برلماني تلقى بيانها وتحصل على ثقة مجلس النواب بأغلبية كاسحة..


وإذا كان هناك تقصير فيجب أن يوجه للبرلمان الذي ظل يمنحها الثقة، أما أن يتكتل البعض ضدها ظنا منهم بقرب رحيلها فإن ذلك ليس من اللياقة السياسية، ثم إن الدولة المصرية أرجأت برنامج الإصلاح السياسي لتتفرغ للإصلاح الاقتصادي ظنا منها أن الحرب على أكثر من جبهة خاسرة، أقول هذا رغم اعتراضي على عدد كبير من الوزراء، ورغم أن بعضهم قد نفد رصيده ولم يعد لديه ما يعطية..

والبعض الآخر كان مصدر قلق ولم يحقق المطلوب في إدارة عدة أزمات، بغض النظر عن الأسماء، والأمر هكذا فقد بات فرض عين على الدولة المصرية البدء في برنامج للإصلاح السياسي، ليواكب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لمجلسي الشيوخ والنواب والمجالس المحلية الشعبية، وكلها ستكون في العام المقبل، وهي بداية لتطبيق برنامج معتدل وتدريجي يتيح قدرا من المشاركة الشعبية ويحقق بعضا مما كان الشارع المصري يطالب به منذ ٢٥ يناير و٣٠ يونيو..

بحيث تكتمل البنية السياسية للأمة المصرية، ويصبح لدينا حياة حزبية تتضح فيها الأغلبية والمعارضة الوطنية، وفقا لنصوص الدستور، وكان من المفترض أن تكون الاختيارات سياسية وخاصة في الفترة الانتقالية بحاجة الشارع للاحتواء، ولكن كان للدولة منطق مغاير وأعطت للاقتصاد الأولوية، ومعها بعض الحق..

وبغض النظر عما جرى فلا يزال الوقت مهيئا وربما تكون البداية بالتغييرات المقبلة بالتركيز على الكفاءات والخبرات وتطعيمهم بنواب ومساعدين من الشباب، وليس هناك مانع من الاستعانة ببعض قيادات المعارضة الوطنية لتدعيم عودة الوزير السياسي للمشهد المصري، لتخفيف العبء على مؤسسة الرئاسة من القيام بكل الأدوار، وزراء من نوعية "محمود فوزي"، "الكفراوي"، "عزيز صدقي"، "حجازي"، "مصطفى خليل"، "عمرو موسى"، "صدقي"، "سليمان"، "فؤاد محيي الدين"، "كمال الشاذلي"، "صفوت الشريف"، ومن المعلوم أن لكل وزير حكاية في إختياره..

فمثلا معظم وزراء "عبد الناصر" تم إختيارهم من رؤية الثورة والدولة والمهمة التاريخية. وتم إعداد الوزير قبل تكيلفه بالعمل.. ومازال مركز إعداد الوزراء والمحافظين ورؤساء المدن قائما في ميدان روكسي. وظل يحمل اسم المعهد الاشتراكي، ثم تحول في عهد "حسني مبارك" إلى مركز الدراسات الوطنية.

أما في عهد "أنور السادات" و"حسني مبارك"، فقد تم اختيار الوزراء بمعايير شخصية وسيطرت عليها العشوائية وسد الذرائع والمجاملات، وشلة الأصدقاء (وزارة عاطف صدقي من شلة لعبة الطاولة - وشلة باريس).. وزارة عاطف عبيد ( من شلة المنتفعين بالمساعدات الأجنبية ورجال الأعمال).. وزارة أحمد نظيف ( من شلة أصدقاء جمال مبارك)

وتبقى ملاحظة اختيار وزير الخارجية من الدائرة الضيقة لمن خدم في واشنطن، لدرجة أنه عند اختيار "أحمد ماهر" للوزارة ذكرت الوكالات "على ماهر" شقيقه لأنه كان لا يزال بالخدمة، مما تسبب في حرج بعد اختيار "أحمد ماهر" الذي كان بالمعاش بعد خدمته بواشنطن وهكذا.

كل وزير خارجية منذ عهد "عمرو موسى" حتى الآن يتم اختياره على أساس سجل الخدمة في الولايات المتحدة أو المنظمات الدولية في واشنطن.. وعادة ما يطرح السؤال على هذا النحو عند اختيار وزير الخارجية: هاتو لنا سجل السفراء الذين شغلوا مناصب مختلفة في واشنطن..

حتى في عهد الثورة جاء "محمد العرابي"، ثم "كامل عمرو"، ثم "نبيل فهمي"، وأخيرا "سامح شكري". ولم نحدد حتى الآن مهام وزارة الخارجية. ولم نختر الوزير الذي يتوافق مع رؤية مصر الجديدة. ولم نختر سفيرا شغل منصب السفارة في طوكيو أو بكين أو نيودلهي، أو سيول أو موسكو مثلا.
الجريدة الرسمية