وزير أوقاف السودان الأسبق: حل أزمة «سد النهضة» ممكن إذا خلصت النوايا وروعيت مصالح الجميع
- قمنا بثورة كبيرة جدًا وهناك عزيمة للتغيير
نجحت دار الإفتاء المصرية، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، على مدار يومين في جمع ممثلين عن أكثر من 60 دولة حول العالم، وذلك تحت مظلة المؤتمر العالمي الخامس الذي أقيم تحت عنوان «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي»، وتحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، واستطاع المؤتمر من خلال جلساته المتعددة وورشة في الخروج بعدد من التوصيات والمشروعات التي على رأسها وثيقة التسامح الفقهي والإفتائي التي أصلت لمسألة الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي، وتتمثل أهمية هذا المؤتمر أنه جاء في وقت تعاني فيه المنطقة العربية من صراعات متأججة في الكثير من البلدان، سواء الوضع في سوريا أو العراق أو اليمن، أو الأزمات السياسية كأزمة سد النهضة بين مصر ودول حوض النيل.
«فيتو» التقت على هامش المؤتمر الدكتور محمد مصطفى الياقوتى، وزير الإرشاد الدعوى والأوقاف الأسبق في السودان، عضو الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم وفتحت معه النقاش حول أهمية الموضوع الذي ناقشه المؤتمر، وقدم الحلول التي يمكن أن يطرحها رجال الدين للخروج من الأزمات التي تعيشها تلك الدول على الأصعدة المختلفة.
كما ناقشت معه الأزمات الدينية والسياسية، حيث أكد أن عنوان المؤتمر الأخير تم اختياره بدقة، لا سيما أنه يهم جميع الدول المشاركة في فعالياته، ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن الأوضاع في السودان بعد الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمرو البشير، والأوضاع السياسية والاقتصادية هناك، وعندما تطرق الحديث عن أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، والأضرار التي سيسببها السد سواء للسودان أو مصر، قدم «الياقوتى» تصورًا محايدًا يمكن أن يساهم - من وجهة نظره- في إنهاء الأزمة.. وكان الحوار التالى:
*بداية.. ما رأيك في القضية التي يناقشها المؤتمر؟
عنوان المؤتمر تم اختياره بدقة، ويهم جميع الدول المشاركة، فالمؤتمر يتحدث عن الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي، فهذا ينبه الناس إلى أن نصوص الشريعة من قرآن وسنة وكذلك سلوكيات المجتهدين عبر الأزمنة المختلفة كلها تؤسس الاعتراف بالاختلاف سواء الخلاف العقائدى مع الملل الأخرى، وإذا كان الخلاف مع المخالف الملى نحن فيه بهذه الرحابة والحرية، فمن باب أولى مع الذي تجمعه معنا مظلة واحدة وهى قول «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، فإن الخلاف الفقهي يتأسس على المسائل القابلة لأكثر من رأي، فالمسائل التي تجرى فيها الظنيات تقبل الاجتهاد، وحتى كثير من المسائل المقطوع بها إذا كانت تقود إلى ما هو ضد الشريعة ومسائل ليست من مقاصد الشريعة، فهذه هي أساسيات الشريعة.
*كيف يمكن استثمار مثل المؤتمرات لتوضيح الرؤى لدى الأمة الإسلامية؟
الجميل في المسألة أن الحضور في مؤتمر الإفتاء كبير جدًا، ويمثل أكثر من 60 دولة، وأن يكون الانطلاق في هذا الشأن من مصر ودار الإفتاء فإن هذا يعزز من الموثوقية لدى المجتمع والناس، لأنهم يبحثون دائمًا عن مصدر الثقة في المعرفة، كما أنهم ينظرون إلى عراقة المؤسسة ذاتها التي تصدر الحديث عن أزمة أو مشكلة معينة تهم العالم الإسلامي، وكون أن تلك المسألة تخرج من مصر الأزهر ومن دار الإفتاء فهذا يبعث عن الثقة مع قوة المعارف وجودتها.
*كيف ترى الخلاف الدائر حاليًا حول أزمة سد النهضة؟
بكل تأكيد إذا خلصت النوايا وروعيت مصالح كل البلدان في هذا الشأن، وكان الناس صادقين في رعاية هذه المصالح وتخلوا عن النظرات الضيقة والأنانية وجلس الخبراء بعيدًا عن التأثيرات السياسية وتم إدارة هذه المسألة بروح عالية فإن حل هذه المسألة سهل وليس مستعصيًا.
*برأيك.. هل يمكن استغلال هذه المؤتمرات في حل هذا الخلاف؟
بكل تأكيد.. لأن السياسة في الأساس هي حراك اجتماعي، وأنت إذا كنت موجودا في مجتمع مأزوم في طريقة تقويمية للأشياء وطريقة نظرته للأشياء، وحدث تحريك في الثقافة الذهنية والفقه الوجداني، بمعنى أن يكون الناس أصحاب رؤي عالية بحيث يتسامون عن الصغائر، فالتأثير سيكون واضح جدًا، ولا أعتقد أن هناك تأثيرًا أقوي على الناس من التأثير الديني.
*بعد الثورة التي شهدتها البلاد.. حدثنا عن الوضع الحالي في السودان؟
بكل تأكيد الشعب يأمل خيرًا، ونحن قمنا بثورة كبيرة جدًا، شارك بها كافة طوائف الشعب السوداني، وعبرت عن جودة الحراك السلمي وصبر الرجال فالناس يأملون خيرًا كبيرًا، وما يعزز ذلك تقارب وجهات النظر بين أبناء الشعب في الداخل والخارج، هناك عزيمة كبيرة جدًا للتغيير.
*كيف ترى الدور الذي يؤديه الأزهر في الفترة الأخيرة؟
الأزهر يظل الحصن الكبير جدًا للأمة ضد نمط التفكير، لما يتمتع به من أصالة وعراقة علمية، والأزهر قبلة الدنيا، وظل ثابتا عبر الأزمان يقدم رسالته، وهذه الاستدامة تؤكد أن المرجعية قديمة وأن المسلك منضبط، وأن العمل على تمامه، وفي عهد الإمام الطيب في ظل التغير الكبير في مصر فإن هناك تناغما وعملا كبيرا، فالأزهر هو الأزهر وأنا مؤمن بهذه الفكرة منذ الصغر، ومهما اختبرت لن تتغير، لأن العطاء الفكري للأزهر واضح وثابت ولا يتغير، والقدرة على الاستشراف ومواجهة التغييرات موجودة لديه دائمًا.
*كيف ينظر الشرع إلى مسألة الاجتهاد والخلاف الفقهي؟
فيما يتعلق بالقضية الاجتهادية، فإن الحق -عز وجل- لو إرادة واحدًا لوضحه، وكون أنه ترك لاجتهاد المجتهدين، لأن الحكم الشرعي يعرف على أنه بذل المجهود لاستخراج ظن بحكم فقهي، وبما أن المولى -عز وجل- أراد ذلك، فيجوز أن الصواب في المسألة الواحدة يتعدد، وكذلك الخلافات السياسية ما هي إلا مجهودات مستندة إلى مجهودات عامة في الشريعة، فإذا تباينت الرؤى وكان الإنسان سليما في أخلاقه بمعنى ليس متألهًا على الناس، وإنما يأخذ الأمور على أنها تنفيذ للموجهات العامة للشريعة، فإنه يدير خلافه مع الناس بطريقة رحبة جدًا، وكان الأئمة الأعلام يتمنى الواحد منهم أن يكون الحق مع خصمه حتى ينقاد إليه.
- كيف تري أزمة الأقليات المسلمة في الدول الغربية؟
الأقليات المسلمة في الغرب تثير تساؤلات كثيرة في المجتمع المسلم، لأن الإنسان قد يذهب إلى أحد المجتمعات الغربية محملا بثقافته العربية والحضارية القديمة، ويريد أن يستمتع بنفس الخصوصية التي تمتع بها في مجتمعه الأصل، وهذا غير منطقى.