كنائس وأديرة "خارج السيطرة".. مطالب بلجنة تخضع للبابا للحفاظ على الآثار القبطية.. و150 كنيسة أثرية يعانون الإهمال.. دير السيدة العذراء في المقدمة.. وكنوز مصر القديمة تبحث عن الاهتمام
«اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى».. عبارة إلهية سمعها نبي الله موسى هناك في أرض سيناء، لكن يمكن أن تستشعرها بمجرد أن تخطو قدماك أرض مصر، التي شرفها المولى برسالات سماوية، جال بها الأنبياء، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا.
أرض مصر التي شهدت رحلة العائلة المقدسة، جاءها المسيح طفلا هاربا من بطش الرومان، فكانت أول مخيمات اللاجئين في العالم، تتابع عليها الرسل والأنبياء أيضا، القديسون وجدوا على أرضها ما يسر، زرعوا الأرض ببنايات مقدسة شاهدة على علاقة قوية بين الله والناس.
ارتفعت البنايات، واتسعت لـ«حضرة الله»، تحاج فيها الله والإنسان، ولدت رسالات جديدة هناك، مُنحت الصحراء قدسية، ورويت أرض الوادي بدماء شهداء الكنيسة قبل مياه نيلها.
كنائس تاريخية
«كنائس تاريخية».. هكذا يمكن تسمية هذه البنايات التي شهدت قصص قديسين، يقف التاريخ أمام بطولاتهم حتى اليوم، فالكنائس الأثرية تنتشر في شمال مصر وجنوبها، بنايات تضرب جذورها في تاريخ بلد يعرف أنها «أم التاريخ»، تشهد على تاريخ الأقباط الطويل في العبادة والروحانية، سطرت جزءا هاما من تراث هذه الأمة.
الكنائس التاريخية التي تعد الأقدم والأعرق في العالم، هي ترجمة للتراث القبطي، وتشكل هذه الكنائس مكانة كبيرة لدى المصريين، لما تحويه من معالم تعبر عن التاريخ القبطي في مصر وهوية الأقباط.
وتعرف الدكتورة عايدة بشارة، المتخصصة في علم الجغرافيا، الكنائس الأثرية بأن المقصود منها هي تلك التي تم إنشاؤها اعتبارا من القرن الرابع الميلادي وحتى نهاية القرن الـ19.
150 كنيسة
وبلغت جملة الكنائس الأثرية بحسب دليل الكنائس والأديرة في مصر 150 كنيسة من جملة الكنائس 1304 أي نحو 12% من الكنائس، ويوجد عدد كبير من الكنائس الأثرية تابعة للأديرة العامرة ولكن لم تدرج، وتوجد أعلى نسبة من الكنائس الأثرية في إيبارشية أبانوب والفتح وتوابعها 42% وأقل نسب توجد في إيبارشيتي ببا والفشن وبني مزار والبهنسا بـ4% لكل منهما.
يقول الدكتور عاطف نجيب، مساعد رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية: إن هناك 83 كنيسة وديرا مسجلة في وزارة الآثار باعتبارها آثارا، فيما يوجد عدد آخر تحت التسجيل، وآخر لا يصلح للتسجيل كأثر، موضحًا أن معظم هذه الكنائس موجود في القاهرة والجيزة، أما الأديرة فيوجد معظمها في الصعيد، وأبرزها دير العذراء مريم المحرق بمنفلوط في أسيوط.
وأشار «نجيب» إلى أن هناك بعض الآثار القبطية الأخرى غير الكنائس والأديرة مسجلة في وزارة الآثار، مثل حجاب الهيكل، ومقرة إبراهيم الجوهري، وشجرة مريم في المطرية.
وأكد أن هناك بعض مشروعات التطوير انتهت بالفعل، بحيث تصبح هذه الآثار القبطية مقصدا سياحيا، مثل طريق دير المنيا، وكنائس أبو سرجة في مصر القديمة، والكنيسة المعلقة، فيما هناك بعض المشروعات جارٍ العمل بها.
وكشف «نجيب» عن خطة الآثار الخاصة بوضع أديرة وادي النطرون على قوائم التراث العالمي «اليونسكو»، مشيرا إلى أن الوزارة سوف تسلم الملف الخاص بالأديرة الشهر المقبل.
حصن بابليون
وتوجد أغلب الكنائس الأثرية القبطية في منطقة حصن بابليون، وتبلغ مساحته نحو نصف كيلومتر مربع ويقع بداخله المتحف القبطي، وست كنائس قبطية ودير، وأبرزها «الكنيسة المعلقة»، وتقع بحي مصر القديمة وتتوسط مجموعة من الآثار القبطية، وتفتح بواجهتها الرئيسية على شارع مارجرجس.
وعرفت «الكنيسة المعلقة» بهذا الاسم لأنها تقوم على أنقاض برجين كبيرين من أبراج الحصن الروماني، والدخول إليها عن طريق درجات سلم مقامة على مقربة من البرج الأوسط، وقد نالت تلك الكنيسة شهرة ذائعة الصيت؛ لأنها تعد من أقدم الكنائس الباقية في مصر.
أما كنيسة القديسة باربارة، فتوجد داخل أسوار حصن بابل، وتقع تحت مستوى الأرض بنحو المتر واثنين وأربعين سنتيمترا، ويمكن الوصول إليها بالهبوط عدة درجات على سلم حجري. أما كنيسة أبي سرجة فأنشئت في أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس ويرجح أنها شيدت في نفس المكان الذي أقامت به العائلة المقدسة عندما هربت إلى مصر من هيردوس ملك اليهود. ولا تقل الكنيسة في الأهمية من الوجهة التاريخية والفنية عن الكنيسة المعلقة، وكانت أول كنيسة في مصر بعد دير أبى مقار يقيم فيها البطاركة القداس بعد تكريزهم في الإسكندرية.
قصرية الريحان
وتعرف كنيسة «قصرية الريحان» في التاريخ باسم كنيسة السيدة العذراء وتقع بزقاق بني حصين، وأقام بها أحد البطاركة نحو سنة 865 ميلادية، ويبلغ طول الكنيسة 16 مترًا وعرضها 14 مترًا وارتفاعها 10 أمتار تقريبًا ويغطي صحنها وهياكلها قباب من الطوب مرتكز على أعمدة رخامية. أما كنيسة ماري جرجس وهي من أجمل كنائس الحصن الروماني، وحسب بعض المصادر شيدها الكاتب الثري أثناسيوس نحو سنة 684 ميلادية، ولكنها لسوء الحظ التهمتها النيران منذ ثمانين سنة وبنيت مكانها كنيسة جديدة، ولم يبق من الكنيسة القديمة إلا قاعة استقبال تعرف "بقاعة العرسان" يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر.
وتعد كنيسة القديس مارقريوس أبو سيفين، التي تقع بشارع أبي سيفين بمصر القديمة، من الآثار المهمة الباقية في تلك الكنيسة مغارة مظلمة يمكن الوصول إليها بسلم صغير، وتمتاز هذه الكنيسة عن جميع الكنائس الأخرى بأنها تحتوي على أكبر عدد من الأيقونات القبطية الفريدة التي يرجع أغلبها إلى عام 1491 -عام الشهداء (قبطيا)- الموافق 1775ميلاديًا، وبعضها أقدم من ذلك.
دير السيدة العذراء
كما يوجد عدد من الأديرة الأثرية أغلبها في الصعيد، وأبرزها دير السيدة العذراء المحرق بالقوصية بمحافظة أسيوط، والذي يعتبره الأقباط «قدسا ثانيا»، كما يعد واحدا من أهم الأديرة والمزارات المسيحية والآثار القبطية المصرية، إذ أتت إليه العائلة المقدسة أثناء هروبها للاختفاء من بطش الملك "هيرودس" الذي كان يسعى لقتل السيد المسيح.
استنكر المهندس ماجد الراهب، رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة على التراث، تشويه الكنائس الأثرية بشكل عشوائي، مشيرا إلى أن هناك بعض الكنائس الأثرية تندثر وتدمر أو يعاد تجديدها عشوائيا دون الاستعانة بمتخصصين.
وأوضح «الراهب» أن هناك كنائس أثرية خاضعة لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية، وهذه يصعب الاقتراب منها بدون موافقة وإشراف وزارة الآثار، لكن هناك كنائس أثرية تخضع مباشرة للإيبارشيات، وهذه عرضة للتشويه، خاصة أن القائمين عليها يفتقدون لإدارك قيمتها الأثرية، وهو ما يجعلها عرضة للهدم بغرض التوسيع أو التشويه بزعم تجديدها.
وطالب «الراهب» الكنيسة بتشكيل لجنة يرأسها قداسة البابا تواضروس، أو تخضع للمجمع المقدس، تكون مهمتها الحفاظ على التراث القبطي، والكنائس الأثرية القديمة، محددا عددا من المحاور للاستفادة من الآثار القبطية الموجودة في مصر، لتكون مقاصد سياحية عالمية، أبرزها أن يعد مسار العائلة المقدسة وتطويره مشروعا قوميا، خاصة في ظل اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمشروع شخصيا، وقد يحقق المشروع دخلا سنويا يقدر بـ2 مليار دولار، إذا أدير بالشكل الصحيح.
وشدد "الراهب" على ضرورة تنمية الوعي الثقافي بالآثار المصرية، والسياحي لدى المجتمع المصري، وتكاتف كل الوزارات للحفاظ على التراث، خاصة وزارة التربية والتعليم المطالبة بتنمية الهوية المصرية لدى أبناء مصر.