رئيس التحرير
عصام كامل

هل تعكس خطة المناخ الألمانية "الضعيفة" الاستقطاب الداخلي؟

فيتو

تعكس خطة المناخ الألمانية لعام 2030، والتي ينظر إليها كثيرون بأنها غير طموحة، التناقض العلني في السياسة المناخية للأحزاب السياسية في البلاد، ولكن التطورات الأخيرة تشهد أيضا تغيّرًا في المواقف.1.4 مليون شخص خرجوا إلى الشوارع في جميع أنحاء ألمانيا، تزامنًا مع يوم الإضراب العالمي من أجل حماية المناخ، مطالبين بتغييرات جذرية لأزمة المناخ، وأصدرت الحكومة الألمانية حزمة إصلاحات لحماية المناخ بقيمة 54 مليار يورو (60 مليار دولار) لعام 2030.

تضمنت الخطة، والتي اقترحتها حكومة المستشارة أنغيلا ميركل، ووافقت عليها الحكومة في البدء، وضع تسعيرة على انبعاثات الكربون ابتداءً من عام 2021، والبدء بخطوات مدروسة لاستبدال 10 ملايين سيارة كهربائية بدلًا من سيارات الديزل والبنزين، وكذلك فرض رسوم إضافية على رحلات الطيران، وزيادة رسوم الطرق للشاحنات، وضخ المزيد من التمويل في البنية التحتية للسكك الحديدية.

إلا أن حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل"، والتي تقود الاحتجاجات، قامت برفض حزمة الإصلاحات، من بينها خطة التخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2038، إذ اعتبرت الخطوة متأخرة جدًا وغير كافية، وأكدت على أن ألمانيا يجب ألا تخرج عن هدفها بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 25% لعام 2020

آراء متضاربة
على الرغم من ارتفاع أصوات المحتجين، إلا أن التحالف المحافظ الحاكم ألغى الموافقة على حزمة الإصلاحات في اللحظة الأخيرة، والذي يعكس موقفًا عامًا غامضًا بشأن أزمة المناخ في ألمانيا، ما يعني أنه على الرغم من رغبة الأحزاب بالتغيير، إلا أنها تفضل عدم اتخاذ خطوات سريعة.

وقد عبّر المحلل في دويتشه بنك إريك هيمان في تصريح له، بأن حزمة الإصلاحات كانت محاولة لدعم حماية المناخ العالمي عن طريق "تدابير وطنية" دون ممارسة الكثير من الضغط على الأفراد والمنازل والشركات الخاصة في ألمانيا.

وذكر استطلاع رأي أجرته YouGov في 15 أيلول/سبتمبر الماضي أن الألمان، مثل جيرانهم الإسكندنافيين، يعتقدون أنهم في النهاية سوف يتمكنون من تفادي أسوأ الآثار البيئية التي تسببت بها أزمة المناخ.

وبينما يعتقد نحو 70٪ من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في الهند والفلبين أنهم سيعانون من "تأثير كبير" بسبب تغير المناخ، فإن هذا الرقم لا يتجاوز 16٪ في ألمانيا و10٪ في الدنمارك.

تأتي هذه التوقعات تماشيًا مع التحفظات التي يطرحها الألمان حول التضحيات الأساسية التي يتوجب عليهم اتخاذها، بما في ذلك الخلاف على وضع حد للسرعة في الطرق السريعة.

أهداف غير طموحة
بعد أسبوع واحد فقط من إصدار حزمة الإصلاحات، أكدت دراسة استقصائية على مستوى البلاد أجرتها محطة التليفزيونية ZDF الألمانية أن 53 ٪ من الناخبين الألمان يعتقدون أن حزمة المناخ ليست كافية، و20٪ فقط يعتبرونها كافية لمواجهة الأزمة.

وصرح أستاذ الاستدامة في "كلية هيرتي للإدارة والحكم" كريستيان فلاتشلاند لـDW أن الحزمة لن تكون كافية لخفض الانبعاثات بما يكفي لتحقيق الأهداف الألمانية الموضوعة، وذلك في تعليق له على اقتراح الحكومة لفرض غرامات على كل طن لثاني أكسيد الكربون ابتداء من 10 يورو عام 2021، وزيادتها إلى 35 يورو في عام 2026.

ويعتقد فلاتشلاند أن تسعير الكربون سيكون آلية جوهرية في مكافحة أزمة المناخ، ولكنه يرى وجوب رفع السعر إلى أربعة أضعاف إن كان الهدف هو خفض الانبعاثات بنسبة 38٪ في عام 2030، مقارنة بمستوى عام 2005.

وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة لهذه الخطوات، إلا أنها تعد محاولات متواضعة، مقارنة مع الإصلاحات التي طرحها حزب العمال البريطاني الشهر الماضي بعنوان "الصفقة الجديدة الخضراء"، والتي تهدف لتحقيق "صفر" انبعاثات بحلول العام 2030.

في غضون ذلك، قال حزب الخضر الألماني إن فرض ضريبة على الكربون سيضر بالمواطنين الأفقر الذين سيصارعون من أجل تحمل تكاليف الوقود والتدفئة المتزايدة. وبدلًا من ذلك، يقترح الحزب حظرًا تامًا، بما في ذلك حظر التسجيل الجديد للمركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2030.

من جهة أخرى، نظرت جماعة الضغط المنحازة للسيارات، والتي تتمتع بقوة كبيرة، بعين الشك إلى خطوات الحكومة الحالية، في حين احتجت حركة السترة الصفراء الموالية للديزل في ألمانيا ضد الرسوم الإضافية المرتفعة للوقود.

وعلى الرغم من الحظر المتزايد على سيارات الديزل، إلا أن العشق الألماني المستمر للسيارات دفع إلى رفع ملكية السيارات في الدولة إلى 43 مليون سيارة عام 2018.

حزب البديل من أجل ألمانيا ضد الإصلاحات
تظهر للسطح إشكالية توجهات الأحزاب اليمينية حينما يتم الحديث عن الحلول لتحقيق انبعاثات كربونية أقل، إذ وفي شهر أيار/مايو الماضي، وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات الأوروبية، اتهمت الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي أليس فايدل، حكومة ميركل بمحاولة إزالة صفة "الدولة المصنعة" عن ألمانيا، وذلك باسم "أيديولوجية يسارية خضراء" استنادًا إلى ما أسمته بـ "جنون المناخ".

جاء هذا بعد التوجهات الحكومية لنقل مصادر الطاقة المستخدمة من الطاقة النووية والفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة، والذي اعتبره اليمين الشعبوي الألماني مساسًا في أساس الدولة الألمانية التي تعتمد على التصنيع، واصفة إياها بـ"مؤامرة اشتراكية كبرى".

وبعد حصوله على المركز الثاني في انتخابات محلية في ولايات في شرق ألمانيا في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، قام الحزب الشعبوي الصاعد بالتأكيد على إنكار أهمية الخطوات الموضوعة للحد من أزمة المناخ، باعتبارها نقطة اختلاف أساسية للحزب عن الأحزاب الرئيسية. الأخرى في ألمانيا.

وفي هذا السياق، قالت مدير مشروع دبلوماسية المناخ في مركز أبحاث المناخ في برلين ستيلا شالر إن عدد مواقع التواصل الاجتماعي التي تهاجم الحلول المناخية تضاعف ثلاث مرات عن العام الماضي، وكانت غريتا ثونبرغ أحد أكبر الأهداف لمناهضي الحملات الإصلاحية.

وأشارت شالر إلى أن وسائل إعلام ساعدت في نشر المواقف الشعبوية حول المناخ، من خلال "تكرار الادعاءات الكاذبة وتوفير منصة لأطر وقصص مثيرة للانقسام، حيث أصبحت مواقف إنكار المناخ واضحة للعيان".

حزب الخضر يرد
مساعي حزب البديل الشعبوي المتزايدة للتأثير على الناخبين الألمان تقابله محاولات حزب الخضر الألماني الصاعد في استطلاعات الرأي، والذي وضع خطة في الانتخابات الأوروبية التي جرت في أيار/مايو الماضي بما يمكن تسميته بـ"انتخابات مناخية"، وذلك بالتوافق مع جهود "حركة أيام الجمعة من أجل المستقبل" في زيادة الوعي الشعبي.

وعليه فقد قدم الجناح الشبابي للحزب الشعبوي طلبا لإعادة النظر في إنكار أزمة المناخ، قائلًا إن المركز الرابع المخيب للآمال للحزب في الانتخابات الأوروبية كان أيضا نتيجة شكوكه بشأن المناخ. ولكن بدلًا من تغيير مواقفه، ضاعف الحزب في إنكار المشكلات المناخية.

يعتقد فلاتشلاند أن الخضر سيكونون قادرين على ممارسة أقصى ضغط على الائتلاف الحاكم في ألمانيا مع استمرار ارتفاعهم في استطلاعات الرأي - حتى أن الحزب قد تقدم على حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا، التي تنتمي إليه المستشارة ميركل، في بعض استطلاعات الرأي الأخيرة.

وقالت شالر: "لم يكن في يوم من الأيام الدعم الشعبي لسياسة المناخ الطموحة أكبر من اليوم"، مشيرة إلى أن تحويل قضية المناخ في الوقت الحالي إلى قضية سياسية يجعلها أكثر أهمية في نظر الألمان، وذلك في إشارة إلى استطلاع أجرته مؤسسة ARD للإذاعة العامة في سبتمبر/أيلول، والذي أظهر أن 63٪ من الناخبين الألمان يعتقدون أن سياسة المناخ لها الأسبقية على النمو الاقتصادي.

في غضون ذلك، حذر فلاتشلاند من أن "التغيير في المزاج العام لا يزال جديدًا نسبيًا"، مذكرا بالمسح الاجتماعي الأوروبي لعام 2016 الذي أظهر أن 55 ٪ من الألمان "غير مترددين أو فاترين" بشأن العمل الطموح للمناخ.

ولكن إذا كان هناك ممانعة كبيرة في ألمانيا لوضع حدود للسرعة على الطرق السريعة في ألمانيا، فإن السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان هذا الطلب الجديد للإصلاحات المناخية سيتحقق على الإطلاق.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية