مطلوب نوبل للصبر المصري !
إذا كان من حق "آبي أحمد" نوبل للسلام فإن من حق إريتريا اقتسام الجائزة معه، والأهم حق مصر قبلهما في نوبل للصبر الجميل تجاه المراوغة الإثيوبية لفرض الأمر الواقع، والتهرب من كل الاتفاقات والمعاهدات التي تنظم طبيعة الأنهار الدولية، ويجب ألا يتجزأ مفهوم السلام، فلا يمكن أن يكون رئيس وزراء إثيوبيا ساعيًا بالسلام مع دول الجوار المباشر، ثم لا يسعى بالسلام نفسه مع مصر.
وحتى بالنسبة لاتفاقية السلام مع إريتريا فهي حتى الآن حبر على ورق، ولم تغير الواقع القائم على الأرض، خاصة أن إثيوبيا دولة "حبيسة" ليس لها منافذ على البحر الأحمر بعد استقلال إريتريا، فالغالبية العظمى من الواردات الإثيوبية تصل إليها عبر ميناء "جيبوتي"، ثم إن الاتفاق الإثيوبي الإريتري تم برعاية إماراتية سعودية لمواجهة مبادرة "نتنياهو" لإعادة أفريقيا لإسرائيل وإسرائيل لأفريقيا.
"أبي أحمد" الذي يرفض الوساطة لسد النهضة هو نفسه الذي استقبل بعد أيام من تنصيبه المبعوث الأمريكي "دانييل ياماموتو" ومعه مجلس الكنائس العالمي للوساطة في قضية إريتريا، لدرجة أنه تخلى عن حقوق لإثيوبيا مقابل ما هو أكثر، وفِي مقابل ذلك نجد إثيوبيا تضرب بالقانون الدولي عرض الحائط، وتريد أن تتفاوض معنا بعيدا عن القانون أو عن الوساطة الدولية، وتريد أن تفرض علينا قانون الأمر الواقع، وكأننا نعيش في عالم خاص بإثيوبيا فقط.
إثيوبيا تريد فرض السيادة المطلقة في إدارة مياه النيل الأزرق وما أقامته عليه من سد عملاق، ولو كان الأمر يسير بالسيادة المطلقة على الأنهار المشتركة كما تتصور إثيوبيا، فلماذا أنشأت واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قانون الأنهار الدولية العابرة للحدود لتنظيم العلاقة بين الدول المتشاركة في النهر لعام ١٩٩٧، والذي أصبح ملزما منذ عام ٢٠٠٧ بما يعني أن إثيوبيا خاطئة.
القانون الدولي يمنع دول المنابع من إقامة سدود عملاقة حتى لا تضر الدول التي تليها في النهر ودول المصب، ومع ذلك تحدت إثيوبيا القانون الدولي للأنهار وأقامت أكبر سد في أفريقيا، القانون الدولي يلزم الدولة التي تقيم سدا على نهر عابر للحدود أن تقيم أولا دراسات بيئية وهيدرولوجية واجتماعية واقتصادية، ولكن إثيوبيا أقامت سدا بلادراسات ثم طلبت من مصر والسودان الدفع لعمل الدراسات عن طريق المكتب الاستشارى، ثم ألغت عمل المكتب الاستشارى حتى لا يكون شاهدا على خروقات إثيوبيا، ولا عن الأضرار التي ستقع على مصر..
إثيوبيا وقعت مع مصر إعلان مبادئ الخرطوم لسد النهضة ثم أفرغته من محتوياته وتجاهلت كل بنوده من حيث حتمية الاتفاق على نظام الملء الأول، أولا بين الدول الثلاث، وحتمية وجود مكتب استشارى محايد يحكم بين الأطراف، ولكن إثيوبيا تريد أن تكون هي الخصم والحكم، وأن يكون القرار النهائي لها، بما سيشعل المنطقة لأنها رفضت من قبل وساطة البنك الدولي، ورفضت استمرار عمل اللجنة الدولية الأولى المكونة من خبراء من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وجنوب أفريقيا، وأصرت أن يكون التفاوض بدون وجود خبراء دوليين بما يعد اعترافا بخروقاتها ومخالفتها لكل القوانين العالمية ولكل الأصول العلمية لإقامة السدود.
إثيوبيا يمكن أن تشعل شرق أفريقيا بأول حروب المياه في العالم، والأمر يتطلب وساطة دولية قوية وملزمة للجميع وخبراء دوليين والبنك الدولي، التفاوض الثلاثي لن يفلح مع إثيوبيا ولابد من فرض التفاوض الدولي.
ثم أين الاستخدام العادل والمنصف في دولة مثل إثيوبيا بها ٩ أحواض أنهار، وكل حوض به عشرات الأنهار مقابل مصر الصحراوية التي ليس بها إلا نهر وحيد بلا روافد أو فروع، ويعيش أهلها على ضفتيه فقط تاركة ٩٣٪ من أراضيها بلا سكان بسبب القحط والجفاف المائي؟!
أين عدالة استخدام المياه في دولة يتساقط عليها ٩٣٦ مليار أمطار مقابل دولة شحيحة الأمطار مثل مصر! ويتعين على مصر الاتجاه فورا ودون تأخير إلى اتخاذ الإجراءات القانونية الدولية، عن طريق محكمة العدل الدولية، لإجبار إثيوبيا بالمحافظة على حقوق مصر في مياه النيل، لوضوح هذه الحقوق، ولهذا فإن الطريق العاجل والمختصر إلى المجتمع الدولى، هو القضاء الدولي بحرفية علمائنا المتخصصين في هذا المجال.
مرة أخرى، لا داعى لإضاعة الوقت، أو تلمس الوساطة من أطراف مشكوك في نواياهم الصادقة ضد مصر!