رجاء النقاش يكتب: عالمية نجيب محفوظ
في مثل هذا اليوم 13 أكتوبر 1988 أعلن على العالم فوز الأديب المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب ليكون أول عربي يحصل على هذه الجائزة.
وبهذه المناسبة كتب الأديب الصحفي رجاء النقاش مقالا في مجلة روز اليوسف 1988، عن العالمية في الأدب والفرق بينها وبين المحلية قال فيه:
كثيرا ما تتردد كلمة العالمية وكلمة المحلية في الدراسات الأدبية، وفى أغلب الأحوال يضع الباحثون كلمة العالمية في مواجهة المحلية وكأن الكلمتين متناقضتان.
لكن المتأمل في تاريخ الآداب المختلفة يثبت أن العالمية ليست نقيضا للمحلية، فالكثير من عظماء الأدباء الذين عرفتهم الإنسانية كانوا يكتبون أساسا عن واقعهم المحلى الخاص، وكان هذا الواقع هو الطريق الذي ساروا فيه ليصلوا منه إلى العالمية.
فمجموعة العباقرة الذين ظهروا في روسيا في القرن الماضى مثل تولستوي ودوستويفسكي وتشيكوف وجوجول.. كانوا جميعا مرتبطين بواقعهم المحلى في بلادهم، ورغم ذلك فهم الأساتذة الاوائل لفن الرواية والقصة في الأدب العالمى حتى تجاوز تأثيرهم حدود الأدب الروسي.
وينطبق نفس الشيء على أديب إنجليزي مثل ديكنز، وأديب فرنسي مثل بلزاك، وأديب هندى مثل طاغور، وأديب من أمريكا اللاتينية مثل ماركيز، وأديب أسبانى مثل سرفانتس.
كل هؤلاء وغيرهم من أدباء العالم الكبار كانوا جميعا يستخدمون المادة المحلية التي تتصل بالواقع الذي يعيشون فيه.
فمن خلال هذه المادة المحلية كانوا يعالجون مشكلات الإنسان المختلفة، فالمعادلة الصحيحة في الأدب إذن لا تقوم على ابتعاد الفنان عن واقعه الخاص وبيئته المميزة كشرط للوصول إلى العالمية أو التعبير الإنسانى الشامل، بل العكس هو الصحيح فلا بد أن يلتزم الفنان ببيئته وواقعه حتى يستطيع من خلال ذلك أن يصل إلى الحقائق الإنسانية الكبيرة.
فالمجتمعات الإنسانية متعددة ومتنوعة ولكن الإنسان في آخر الأمد واحد تتشابه مشاكله الجوهرية سواء كان من أبناء المجتمعات البدائية القائمة على الفطرة والبساطة أو كان من أبناء المجتمعات الحديثة التي بلغ فيها التقدم درجة عالية شديدة التعقيد.
ولو نظرنا إلى الأديب نجيب محفوظ بهذا المقياس الذي يعتبر المحلية طريقا إلى العالمية سنجد أن أدبه لا يخرج عن هذه القاعدة.. فقد التزم نجيب محفوظ منذ بداية إنتاجه الأدبى حتى الآن بالكتابة عن مصر، وأضاف مادته الأساسية من البيئة الشعبية في مدينة القاهرة وهي البيئة التي عاش فيها واحبها وفهمها أعمق الفهم وأخلص لها.
ومن خلال هذه البيئة المحلية استطاع محفوظ أن يعبر عن وجهة نظره الإنسانية وأن يعالج القضايا الرئيسية التي جعلت منه أديبا عالميا يمكن لأي إنسان أن يقرأه في أبعد نقطة من مصر فوق الكرة الأرضية.