تفاصيل «صفقة الخطوط الحمراء».. نالت مباركة 5 عواصم من بينها طهران.. السوريون يدفعون ثمن تواطؤ الكبار.. خطة لتقسيم البلاد مباركة من الأمريكان.. وتفاهمات روسية تركية حول إرث دمشق
«ليس للأكراد صديق سوى الجبال».. مقولة قديمة متداولة في الشرق الأوسط، تحديدا في مناطق تواجدهم نظرا للخيانات التي تعرضوا لها على مدار التاريخ، وكيفية استغلالهم بعد منحهم وعودا تتبخر بمجرد الوصول إلى "صفقة" بين الكبار.
هذه المقولة تلخص وتفسر أيضا إلى حد كبير سبب تخلى الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، عن أكراد سوريا، بعدما وثقت الولايات المتحدة علاقتها معهم لسنوات، وفك رجل البيت الأبيض التحالف الوثيق بتغريدة على «تويتر» معلنا سحب قواته من شمال سوريا، تمهيدا لغزو عسكري تركى، بدا واضحا خلال الأيام الماضية عقب انخفاض درجة حرارة التنديد في جسد العالم.
الخطوط الحمراء
التحذيرات الأمريكية والخطوط الحمراء التي وضعها ترامب وإدارته أمام تركيا، لا تهدف في الأساس إلى عرقلة العدوان أو التصدي له، بقدر ما تحمل رسائل تذكير للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بعدم تهاون واشنطن حال تخطى أنقرة الحد المسموح والمتوافق عليه في دهاليز الغرف المغلقة قبل مباركة الجميع للعدوان التركى على شمال سوريا.
وجاءت جلسة مجلس الأمن العاجلة التي دعت لها المجموعة الأوروبية نهاية الأسبوع قبل الماضي، كاشفة لملامح "صفقة الخطوط الحمراء"، بعدما عرقلة الولايات المتحدة وروسيا صدور بيان تنديد المجلس يطالب بوقف العدوان أو إنهاء العملية العسكرية بشكل فوري.
فما حدث في أكتوبر 2019، تحدث عنه السفير الأمريكى الأخير لدى روسيا، روبرت فورد، في يونيو قبل عامين، خلال حوار نشر على صفحات جريدة الشرق الأوسط اللندنية، ورسم وقتها صورة قاتمة لمستقبل علاقة الأكراد السوريين مع بلاده، مبينا أن واشنطن تستخدمهم فقط لتحرير مدينة الرقة من تنظيم «داعش» الإرهابى، مضيفا «أعتقد أن ما نقوم به مع الأكراد ليس فقط غباء سياسيا، بل غير أخلاقي».
الأمريكيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام حسين، هل تعتقد أن الأمريكيين سيعاملون «الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» بشكل مختلف عن طريقة هنري كيسنجر –وزير الخارجية الأمريكى الأسبق- مع الأكراد العراقيين عندما تخلى عنهم. بصراحة، مسئولين أمريكيين قالوا لي ذلك، الأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ في وضع ثقتهم بالأمريكيين».
شلل العالم
تقود هذه المقدمات السردية والتاريخية حول طبيعة العلاقات بين الطرفين، إلى الوقوف على حقيقة ما يحدث في شمال سوريا الآن، وسر الشلل الذي أصاب العالم ووقف عاجزا عن التحرك عن إنقاذ الوضع.
ويرى مراقبون للشأن الإقليمى، أن العملية الثالثة للقوات التركية شرق الفرات، جاءت بتوافق وحصلت على مباركة من أمريكا وروسيا وإسرائيل وإيران وأيضا نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فالدم الكردي سوف يكتب قائمة مكاسب للجميع في نهاية المطاف، ومن غير المستبعد أن يدفع نظام أردوغان نفسه فاتورة باهظة التكاليف حال الوصول بقواته على الأرض إلى نقطة التماس التي يتقابل عندها الجميع لتقسيم غنائم الحرب.
تسويق ترامب
فرجل البيت الأبيض –ترامب- الذي يجيد "فن الصفقة" يسعى الآن تزامنا مع انطلاق حملته الانتخابية الجديدة، إلى تسويق نفسه داخليا في صورة البطل القومى الذي أنقذ جنود الوطن من المجهول، وفى ذات الوقت كيف حول أرض خراب وحرب وهدر أموال، إلى منتجع للاستثمارات الأمريكية في المنطقة العازلة وتمهيد لتقسيم الدولة السورية إلى دويلات في سياق تقاسم النفوذ.
وكشف ترامب النظرة الأمريكية، إلى المنطقة العازلة في سوريا، خلال مقابلته مع محطّة «إيه بي سي» في 25 أكتوبر 2017، موضحا بأنه سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا لحماية الأشخاص الفارين من العنف. وهى نظرة تحمل خبايا سياسة تقسيمية للشرق الأوسط برمته، فخريطة طريق سوريا الجديدة أو "المفيدة" كما أسمته دوائر الاستخبارات الأمريكية تبدأ مع إقامة مناطق عازلة في سوريا، على أساسها تقسم البلاد إلى دويلات مذهبية متناحرة، ليتحقق معها أيضا مشروعها الشرق الأوسط الجديد.
كواليس
السيد عبد الفتاح رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية أكد من جانبه أنه لا يمكن القول إن عملية بحجم ما تسمى "نبع السلام" التي بدأتها تركيا لاحتلال مناطق في شمال وشرق سوريا، يمكن أن تتم دون أن يكون هناك في الكواليس تفاهمات أو صفقة بين أنقرة وعدة عواصم في مقدمتها واشنطن وموسكو وطهران، وبصفة خاصة الإدارة الأمريكية، يدفع فيها الشعب السوري الثمن، وتخسر سوريا مزيدًا من أراضيها وفق صفقة دولية إقليمية لإعادة توزيع وتقسيم سوريا.
ملامح الصفقة
وأضاف: يمكن القول إن ملامح الصفقة بدأت منذ فترة من خلال تصريحات إعلامية من الرئيس التركي أردوغان حول اعتزامه شن عملية عسكرية داخل الأراضي السورية للقضاء على ما أسماهم الكيانات والتنظيمات الإرهابية ويقصد بها مقاتلي حزبي العمال والاتحاد الديمقراطي الكرديين، ولإجهاض التجربة التي أسسها ويقودها الكرد في مناطق شمال وشرق سوريا.
ومقابل هذه التصريحات كانت تخرج ردود وتعليقات "مائعة" من الطرف الأمريكي تجعل الباب "مواربًا" أمام الأتراك لشنها ولكن بعد تفاهمات ولقاءات وصفقات في الكواليس يحصل من خلالها كل طرف على مكاسب.
وتابع: تركيا لم تكن لتشن هذه العملية دون الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي، أو على الأقل عدم المعارضة الأمريكية، وهو ما كشفه الموقف الأمريكي الرسمي بوصف العملية بأنها "أمر غير جيد" بعيدًا عن عبارات الرفض أو المعارضة، فالأهداف التركية من العملية معلنة ومعروفة، لكن المكاسب التي سيحصل عليها الأمريكان غير ذلك.
وفي رأينا أن تتركز في التضحية ببعض الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في مقابل "إدلب"، وكذلك إرجاع الأتراك إلى الحضن الأمريكي وإبعادهم عن الصديق الروسي، وما يتمخض عن ذلك من تراجع أنقرة عن إبرام صفقات منظومة الدفاع الجوي الروسية، وإتمام صفقة الطائرات الأمريكية.
واستكمل عبد الفتاح حديثه قائلا: "أمريكا تدرك تمامًا أهمية الشريك التركي الذي تجمعها به علاقة إستراتيجية قديمة منذ عقود طويلة، علاقة لا يمكن التضحية بها، وكذلك أن تتواجد أمريكا في سوريا من خلال طرفين الأتراك والأكراد دون أن تضطر لتواجد مباشر على الأرض السورية".
وربما تهدف أمريكا كذلك من السماح بهذه العملية إلى تجنب "الصداع المزمن" الذي يسببه العداء التركي الكردي، فالمساحة التي تستهدفها العملية ستكون فاصلة بين الطرفين بعيدًا عن الجوار المباشر مما يخفف من احتمالات الصدام الذي لا تريده أمريكا"، وفي النهاية -والكلام لـ "عبد الفتاح"- هذه ليست المرة الأولى التي "تغدر" فيها أمريكا بالأكراد، فعلتها في السبعينيات مع أكراد العراق وأيضًا قبل عامين أثناء الاستفتاء على تقرير المصير، وفعلتها مع أكراد سوريا في عملية احتلال عفرين.
المكاسب الروسية
المكاسب الروسية من التصعيد الحادث لا تقل أيضا عن الأهداف الأمريكية، وبحسب تحليل لموقع "صوت أمريكا"، منح الروس أردوغان، الضوء الأخضر للمعركة مع وضع خطوط حمراء متعلقة بمصالحهم، وتهدف موسكو من الرصاص الكثيف على الأرض إلى إعادة تموضع للنظام الأسد، وتمهيد طاولة التفاهمات للجنة صياغة الدستور الجديد للبلاد، بدفع الأكراد للعودة إلى حضن دمشق وقبول أي مواد متعلقة بأوضاعهم مستقبلا لخلق سند أمام الغازي العثمانى، وهى نتائج تجعل إيران هي الأخرى كقوة فاعلة على أرض الحرب تقبل الوجود العسكري التركى في المعادلة تتويجا لتفاهمات "سوتشى" الروسية.
التفاهمات التي دفعت بتركيا مدعومة بحماية داخل مجلس الأمن، لا تعنى أنها وضعت نفسها أمام فوهة المدفع، متورطة فيما لا قدرة لها عليه، وستكون قد غزت سوريا بأقدامها لكنها بالتأكيد لن تستطيع الخروج من المستنقع بسهولة أو مكاسب، ومن غير المستبعد أن تجد نفسها مطالبة في نهاية المطاف بدفع فاتورة سياسية وعسكرية باهظة التكاليف حال تمكن الأكراد من عرقلة هذه التفاهمات ودفع الجميع في نهاية النفق إلى التخلى عن الأتراك بعد تحقيق المطلوب.