رئيس التحرير
عصام كامل

خطاب جديد لـ«رئيس هيئة الرقابة الإدارية»


تحظى محافظة البحيرة بإرث تاريخى يرجع إلى عصر ما قبل "الأسرات" ويستمر عبر التاريخ الفرعوني والروماني وصولًا إلى الحكم الإسلامي وانتهاءً بالبطولة في مواجهة "نابليون"، وحتى هذه الأيام تحفل تلك المحافظة بعطاء أبنائها، ولكنها أبتليت مؤخرًا بمن يُدمر أرضها، إذ تمتد البحيرة لمساحة عشرة آلاف كيلو متر مربع، إلا أن تلك المساحات لم تشفع لأبناء المحافظة عند بعض المسئولين الذين قرروا تخريبها، فكان لزامًا علينا إماطة اللثام عن ذلك الوجه القبيح الذي أراد شرًا بالمحافظة.


هذه واحدة من قصص الفساد الصارخ، إذ تمكنت مجموعة من "موظفي المحليات" بمحافظة البحيرة على مدار عدة سنوات من "تبوير" 40 فدانًا من أجود الأراضي الزراعية، وهي مساحة ما يُعرف باسم "مزرعة كفر داود"، بوادى النطرون، حيث جرى تفتيتها إلى قطع صغيرة للبناء عليها.. إذ نفذت هذه المجموعة مخططًا لا يخلو من تسهيل الاستيلاء على المال العام، والتزوير بأوراق رسمية، لتمرير البناء على هذه المساحة الكبيرة، بعد تبويرها وتفتيتها، وتوصيل المرافق، للمباني المخالفة..

بل وإصدار تراخيص للبناء ومزاولة الأنشطة لبعض حالات هذه الأبنية المخالفة، وهذه الجريمة مكونة من عدة جرائم فرعية:
أولها، "تبوير أراض زراعية"، وهي أرض المزرعة بناحية كفر داود (40 فدانا) بالمخالفة لقانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، وتعديلاته، والذي يستلزم اتباع حزمة من الإجراءات، تنتهي بصدور قرار من وزارة الزراعة بـ"التبوير"، إن توافرت شروطه، وهي أصلا غير متوافرة.

ثانيتها، إنه كان يتعين طبقا لقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، إعداد "مخطط تفصيلي" لهذه المساحة المُبّورة، بمعرفة أجهزة التخطيط العمراني المختصة، أو تحت إشرافها، مع التنازل عن ثلث المساحة المخططة للوحدة المحلية لوادي النطرون، لاستغلال هذا الثلث في توفير الخدمات والمرافق، وهو ما لم يحدث، ليكون بمثابة جريمة ثانية.

ثالث الجرائم المُقترفة في هذه القضية، وبحسب قانون البناء أيضا، فإنه كان يجب عمل مشروع تقسيم للمساحة التي تم تبويرها (في حالة الموافقة التي لم تتم من الزراعة على التبوير)، بعد تخطيطها تفصيليا (لم يحدث التخطيط)، ويأخذ مشروع التقسيم مساره بين الإدارات والأجهزة الشعبية (إن وجدت)، والتنفيذية، لإقراره، انتهاءً بصدور قرار من محافظ البحيرة باعتماد مشروع التقسيم، وهو أيضا لم يحدث، فليس هناك مشروع تقسيم لهذه الأرض الزراعية.

ورابعتها، هو إهدار "عشرات الملايين من الجنيهات على الدولة"، كان من المفترض سدادها مع مشروع التقسيم، وهي الرسوم المقررة قانونا لاعتماد التقسيم، ونظير تغيير النشاط من زراعة إلى بناء، أو ما يسمى "رسوم تحسين"، من أجل تمويل المرافق اللازمة للمباني التي ستقام على هذه الأراضي، وهذه الرسوم يتم تقديرها بمعرفة لجنة مختصة من المحافظة، وغالبا تكون الرسوم في حدود 200 جنيه عن المتر الواحد، أي أنه بعد خصم الجزء المتنازل عنه للخدمات والمرافق (الثلث تقريبا)، يكون قد ضاع على الدولة ما يزيد على 25 مليون جنيه، تم إهدارها، لكونها مستحقة عن هذا التقسيم الذي لم يتم.

أما خامسة هذه الجرائم، فهي إصدار تراخيص بناء، وتوصيل المرافق، لبعض المحظوظين ممن قاموا بالبناء المخالف على هذه الأرض الزراعية.. بينما حالات أخرى جرى تحرير مخالفات بناء لها، وطبعا السبب مفهوم ولا يحتاج إلى إيضاح (؟!!)

وهنا السئوال: كيف تم إصدار تراخيص البناء ومزاولة الأنشطة، وتوصيل المرافق لمبان مخالفة ومقامة على أرض زراعية؟

والإجابة تكمن في أن المجموعة إياها لم تتورع عن تقنين ملكية الأرض لأصحاب بعض هذه المباني المقامة حديثًا على الأرض الزراعية، بالمخالفة للقانون.. حيث تم تزوير "ملفات تمليك" لهذه الحالات بزعم خضوعها زورَا وبهتانا، لقرار محافظ البحيرة رقم 650 لسنة 1992، بشأن قواعد الاعتداد بالملكية وتسوية أوضاع "الحائزين داخل الكتلة السكنية لوادي النطرون" ممن أقاموا مساكنهم قبل عام 1990، وفقا لشروط حددها قرار محافظ البحيرة (650 لسنة 1992)..

سيما وأن هذا القرار يحدد سعرا رمزيا للمتر، يتراوح بين جنيه وخمسة جنيهات، لمعالجة مشكلة اجتماعية وليس لتمرير مثل هذه الجريمة.. إذ إن شروط قرار المحافظ، وما يتضمنه من قواعد الاعتداد بالملكية، لا تنطبق على هذه الحالات للبناء المخالف على أرض زراعية، لنكون بصدد جريمتي تزوير في أوراق رسمية وتسهيل الاستيلاء على المال العام.

وفي نهاية خطابنا نضع هذه القضية أمام الوزير "شريف سيف الدين"، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وهو على رأس جهاز رقابي عريق مشهود لأعضائه بالدفاع عن مصالح الدولة وأموالها، وكلنا ثقة في القوة التي يسعون بها لضرب بؤر الفساد دون النظر إلى مصدره سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، والأمر إليكم، يا سادة، وأمام الله، فانظروا ماذا تأمرون.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية