رئيس التحرير
عصام كامل

"نافخ الكير".. "عم محمد صابر" القناوي يروي حكايته مع أكل العيش وسط الحديد والنار

فيتو

في وسط الزحام بأحد أسواق محافظة قنا، يفترش الأرض رجل ذو بشرة سمراء محفور على وجهه علامات الشقاء، يرتدي جلبابًا صعيديًا يغطيه هبوب نيران الفحم، وعمامة على الرأس لحمايته من الشمس الحارقة، وإلى جواره أدوات حديدية وفحم ومنفاخ ببلون ذات جلد أسود مصنع من جلود الماشية وهو الذي يسبب الكثير من الأمراض مع النفخ في النار.



يجلس العم محمد صابر ابن الخمسين عامًا منذ عشرات السنين في نفس المكان يقوم بصناعة أدوات الزراعة لأهالي قرى مراكز قنا.

التقت "فيتو" العم محمد صابر لمعرفة قصة مهنة "نافخ الكير"، وقال إنه توارث المهنة عن والده وأجداده منذ عشرات السنين، لافتًا إلى أنه يرفض أن يورثها لأبنائه خوفًا عليهم من الأمراض العديدة الناتجة عن هذه المهنة الشاقة خاصة الأمراض الصدرية نتيجة النفخ في الكير لإشعال النيران على الحديد حتى يصبح عجينة يمكن تشكيلها كما يطلب الزبون.


وأشار إلى أنه يعاني من الكثير من الأمراض حتى بشرته لم تسلم من الأمر فهو لديه إصابة في الظهر أثرت على القدمين، وأعصاب يده بالإضافة إلى أمراض الصدر مرورا بالجلد، متابعا:" اكل العيش مر والرزق يجلعنا نصبر على مانحن فيه وارفض أن أحصل على مليم دون وجه حق ورفضت الحصول على معونة من قبل ويكفيني نعمة الحياة علينا بكل مافيها من صعوبات والرزق يحب الخفيه..ومش حطلب حسنه من حد غير الله".

النفخ في النار

وعن أصعب المواقف التي تواجهه قال: "النفخ في النار بالمنفاخ الجلدي صعب ويحتاج إلى جهد ووقت طويل وعند تلين الحديد وتشكيله بالشاكوش يحتاج إلى بنية جسد قوية وبالطبع الإنسان كلما كبر في السن تقل كل الأشياء حتى عيني اصبحت ترى بصعوبة عكس الأول وعصب اليد ضعف يعني بالبلدي كده "بنتغير للأضعف" ولكن هذا لم يمنعني من الاستمرار في المهنة".



واستطرد: "فحم الكير الذي يتم جلبه واستخدامه في أدوات التصنيع يحتاج منا نفس طويل، وعندما نبدأ النفخ في النار يجب أن تكون بعيد عن أجواء تساعد على إخماد النار يعني أفضل وقت للعمل لدينا في الجو الحار وهذا أصعب ما يمكن أن يواجهنا وخاصة أننا هنا في الصعيد نعاني من ارتفاع في درجات حرارة عالية جدًا، وفي بداية عملي بالمهنة كنت اتعب كثيرًا وينقلوني للمستشفى ولكن بعد فترة تعودت على كل شيء حتى المرض".

ورفض العم محمد صابر توريث المهنة لأبنائه خوفا عليهم من الإصابة بالأمراض المزمنة خاصة أن الجيل الحالي معرض للإصابة لأي شيء بسنن ضعف مناعته، لافتا: "كنا زمان نأكل السمن البلدي وتربينا في أجواء أفضل بكتير من الوقت الحالي... لكن الطفل بيتولد وهو بيعاني الكثير من الأمراض قبل أن تطأ قدمه الأرض فما بالك بعد مرور الوقت والعمل والدخول إلى معترك الحياة، أخشى عليهم من عدم القدرة على التحمل، نحن نتمنى أن يكون أبناؤنا أفضل منا".



واستطرد: "زوجتي هي رفيقة عمري وهي التي تساعدني كثيرًا خاصة في المرض والتعب الذي ينتابني من فترة إلى أخرى، وهي التي تحمس الأبناء على التعليم، والشهادة هتوفر لهم معيشة أفضل مما نحن فيها".

وعن الأدوات التي يصنعها قال العم محمد: "أكثر الاشياء المطلوبة هي تلك التي يستخدمها المزارع في أرضه وفي الصعيد لا يزال المزارع يحتفظ بأدواته القديمة مهما اشترى من حديث فهنا يفضلون العمل بالفأس والوتد والجرار والشوكة وأدوات حظائر المواشي".

منها «الوتد والشوكة».. أبناء المقارين بقوص يروون قصة منتجات النفخ بـ«الكير»



عن الأسعار أضاف: "الأسعار اختلفت كثيرًا عن السنوات الماضية وكل وقت له أذان فأسعار الحديد ارتفعت كثيرًا، الفحم زاد أيضًا ورغم ذلك نعافر في المهنة".

الجريدة الرسمية